موسكو | الزيارة التي قام بها ولي ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، قبل أيام لروسيا، لم تكن الأولى بين البلدين، ولكنها تميّزت بأنها كانت أول اتصال بين الكرملن وممثلي النخبة السعودية الجديدة التي ظهرت بعد اعتلاء الملك سلمان بن عبد العزيز سدة العرش، وتميزت كذلك بعدد المشاركين فيها، الذي تجاوز 40 شخصاً، بمن فيهم وزيرا الخارجية والنفط، عادل الجبير وعلي النعيمي.
ولعل محمد بن سلمان كان أشد ذكاءً من بندر بن سلطان، رئيس الاستخبارات السعودية السابق، إذ لم يعرض أي صفقات بهلوانية على الجانب الروسي، بل نوّه بأهمية «دولة روسيا العظمى»، مؤكداً تلبية الملك السعودي دعوة الرئيس الروسي فلاديمير بوتن إلى زيارة موسكو. وعقد الجانبان 6 اتفاقيات «استراتيجية»، كانت في صدارتها اتفاقية تعاون لبناء 16 مفاعلاً نووياً، وقّعها عن الجانب الروسي سيرغي كيريينكو، رئيس وكالة «روس آتوم»، والذي توقع أن تصل قيمة الاتفاقية إلى 100 مليار دولار؛ وكان بين الاتفاقيات واحدة لشراء السعودية منظومات صواريخ «إسكندر». لكن المفاجأة تمثلت في توقيع وزير البترول السعودي علي النعيمي، ووزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك، برنامجاً للتعاون في مجال الطاقة، حيث أعرب النعيمي عن تفاؤله بأداء السوق خلال الأشهر المقبلة، «من حيث استمرار زيادة الطلب العالمي على البترول، وانخفاض مستوى المخزون التجاري، ومن ثم تحسن مستوى الأسعار... هذا بدوره سيؤدي إلى إيجاد تحالف بترولي بين البلدين لمصلحة السوق البترولية الدولية والدول المنتجة واستقرار وتحسن السوق».
ومع ذلك، ووفقاً للمختصين الروس، فإن موسكو ليست بحاجة إلى تشكيل أي تحالف جدي مع الرياض، لأن السعودية تحتاج إلى هذا التحالف أكثر من حاجة روسيا إليه، ولا سيما أن ارتفاع سعر صرف الدولار وانخفاض أسعار النفط لم يؤثرا جدياً على الإيرادات الروسية بالروبل، ولأن «أسعار النفط لن تبقى منخفضة إلى ما لا نهاية»، بينما تجد السعودية نفسها الآن في كثير من القضايا الإقليمية في مأزق وتبحث عن مخرج، خاصة أن الأسعار المنخفضة للنفط تُضرّ أكثر بميزانيتها التي يرتفع عجزها باطّراد، فيما هي تحاول منذ 4 سنوات إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد، دون جدوى، وفيما لم تتمكن من تحجيم النفوذ الإيراني الإقليمي عبر حربها على اليمن.
ولكن بغض النظر عن المشكلات التي تواجهها الرياض، فإنها لن تتقارب مع موسكو من دون مقابل، على الأقل في الشأنين السوري واليمني. فهي تصرّ على تطبيق بيان «جنيف ــ 1» حول سوريا، والذي ينص برأيها على تشكيل سلطة وفاق وطني مكونة من الأطياف كافة، بما فيها مكونات النظام، لكن بالطبع من دون الرئيس السوري. وهي ترغب أيضاً في مساعدة روسيا لها للخروج من المستنقع اليمني، محتفظة بماء وجهها. من جانبه، أعرب بوتن، أثناء مباحثاته مع وزير الدفاع السعودي، عن استعداده لحثّ الأسد على إجراء إصلاحات سياسية واسعة، وعلى الحوار مع «المعارضة الرشيدة». وكانت موسكو قد أعلنت مؤخراً رفضها استخدام الجيش السوري البراميل المتفجرة. أما بالنسبة إلى اليمن، فامتنعت موسكو عن التصويت ضد القرار الأممي 2216، ما أدى إلى تمريره وإغضاب أنصار الله. وذلك بالطبع لم يكن كافياً لإرضاء السعودية التي تريد المزيد. لكن الروس، الذين اكتووا بنار الوعود السعودية السابقة، سيفكرون كثيراً قبل الموافقة على أي عرض جديد تتقدم به الرياض، ولا سيما أن معظم الاتفاقيات المذكورة آنفاً كانت مذكرات تفاهم واتفاقيات نيات. أما بالنسبة إلى زيارة العاهل السعودي المرتقبة لموسكو، فقال يوري أوشاكوف، مساعد الرئيس الروسي للشؤون الخارجية، «إن موعد الزيارة حُدد في الخريف... ولكن لننتظر ونرَ»!