غزة | للمرة الأولى منذ نشأة «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين ــ الأونروا»، تعلن مبادرة تدعو فيها موظفيها إلى التقاعد مبكراً وفق شروط وضعتها مسبقاً لمن يرغب طواعية في ترك العمل أو الاستقالة، مع إشارتها إلى أن هذه الخطوة اضطرت إليها جراء «أزمة مالية خانقة بدأت منذ أشهر عديدة»، وقد لا تستطيع تجاوزها بعد أيلول المقبل.
هذا السيناريو هو ما كان يخشاه العاملون في «الأونروا»، في ظل التشديد على أنه سيصعب على الوكالة الدولية تجاوز «الأزمة الخانقة»، إذ عبّر عدد من الموظفين الذين استطلعت «الأخبار» آراءهم حول التقليصات السابقة ثم عرض التقاعد المبكر، عن خوفهم من أن تكون «مبادرة الأونروا أول الغيث ضمن خطة معدة مسبقاً لتقليص عدد العاملين».
ويذهب هؤلاء في تأكيد شكوكهم إلى الاستدلال بأن وكالة الغوث صارت تركز على جذب العاملين ذوي «العقود المؤقتة» التي يمكن في أي لحظة إنهاء خدمتهم دون عوائق مثلما يجري مع الموظفين المثبتين، بل حذروا من أنّ الخطوة التالية هي «إجبار من تنطبق عليهم الشروط على الاستقالة أو التقاعد مبكراً».
يقول أحد الموظفين، ويدعى محمد البحطيطي إن «الأونروا لم تعد كما كانت سابقاً، فهي لا تعمل وفق الإنسانية التي تدعيها طوال الوقت، بل تنفذ ما تتطلبه السياسة الدولية غير مبالية باحتياجات اللاجئين»، مضيفاً: «نعتقد أنها تنفذ أوامر الدول المانحة التي غالباً تنصاع لأميركا وإسرائيل».
وأشار البحطيطي (٤٥ عاماً) إلى أنهم كانوا يتوقعون هذه الإجراءات بدلالة تقليصات عديدة طاولتهم، مبيّناً أن مجموع العاملين في القطاعات التابعة لوكالة الغوث «لا تكاد تكفي لسدّ احتياجات اللاجئين... هي بحاجة إلى مزيد من العاملين وليس تقليص عددهم». ولفت إلى أنه في حال تنفيذ تلك المبادرة «فإن معدل البطالة سيرتفع، وهو ما تدعي الوكالة أنها تحاربه».
في المقابل، ردّ المستشار الإعلامي في «الأونروا» عدنان أبو حسنة، بأن المبادرة تتيح للموظف الذي يستوفي شروط التأهل أن يختار طواعية ترك الخدمة في الوكالة قبل بلوغه سن التقاعد. وأوضح لـ«الأخبار» أن «الأونروا تعاني أزمة مالية الجميع يعلمها... الهدف من هذه المبادرة تقليص النفقات والتكاليف الداخلية، ومدتها شهر واحد، وتشمل جميع الأعمار، وهي تتضمن ترك العمل أو التقاعد».
ووفق أبو حسنة، فإن «الأونروا هي التي ستقرر قبول الطلبات أو العكس، ولكنه ذكر أن «من يتقدم إلى التقاعد المبكر سيستفيد من المنافع التي يستفيد منها المستقيلون أو المتقاعدون، وفق شروط الأونروا المتعلقة بمستوى الخبرة وسنوات العمل، وأن يتلقى الموظف 11% من راتبه شهرياً».

وفق مصادر في الوكالة فإن الإقبال على هذه المبادرة «ضعيف»

في هذا السياق، هُمس في «الأونروا» بأن الإقبال على هذه المبادرة بطيء «لما فيه من حرمان الموظفين عدد خدمات السنوات التي غالباً تزيد في مستحقاتهم بعد التقاعد».
وكانت «الأونروا» قد ذكرت في بيانها بشأن «فتح باب الترك الطوعي» للعمل فيها قبل بلوغ سنّ التقاعد أن «الإجراءات التي تتبعها تأتي لخفض التكاليف الداخلية للوكالة، وذلك لضمان استمرار تقديم الخدمة للاجئين الفلسطينيين، تزامناً مع التراجع الواضح في الدعم المالي المقدم من الدول المانحة».
يُشار أيضاً إلى أن المفوض العام لـ«الأونروا» بيير كرينبول، كشف منتصف الشهر الجاري، عن أن وكالته تواجه «أخطر أزمة مالية على الإطلاق». وقال إن «الاحتياجات غير المسبوقة التي يواجهها لاجئو فلسطين تقابلها تبرعات أقل بكثير مما هو مطلوب»، مشيراً إلى أن الوكالة ستنفذ «إجراءات تقشفية جادة» ستؤدي إلى تقليل الكلفة.
ووفق كرينبول، فإن العجز الذي تعانيه «الأونروا» بلغت قيمته 101 مليون دولار في موازنتها الرئيسية التي تستخدم بتقديم الخدمات الأساسية في حقول التعليم والإغاثة والخدمات الاجتماعية والصحة، ويستفيد منها نحو خمسة ملايين لاجئ فلسطيني مسجلين لديها في غزة والضفة المحتلة ولبنان وسوريا والأردن.
أما مدير عمليات «الأونروا» في رفح ، يوسف موسى، فيقول إن «الأونروا مؤسسة معنية بتقديم الخدمات للاجئين الذين يشكلون الأغلبية من سكان غزة»، مضيفاً أنها «وضعت تصوراً لأوضاع غزة في عام 2020 في ما يتعلق بالبيئة والصرف الصحي والتعليم والوضع الصحي والمياه، ووضعت خططاً لدراستها والبحث عن ممولين لتلك الخطط والبرامج».


ويرى موسى أن قرارات الوكالة تكون ناتجة من مراقبة المتغيرات التي تطرأ على أوضاع اللاجئين الغزيين، سواء السياسية أو الاقتصادية أو حتى الاجتماعية، وهي بذلك زادت «موازنتها خلال السنوات العشر الأخيرة بصورة كبيرة». وذكر أن الموازنة الإجمالية كانت في عام 2002، 124 مليون دولار، ووصلت نهاية 2012 إلى 417 مليوناً بزيادة تقارب 300%، ثم في 2013 وصلت إلى 513 مليون دولار، في ظل أن 85 مليون دولار لا تزال تحت بند «تعهدات مانحين» لم تصل فعلياً للموازنة، وفق قول موسى.
الجدير بالذكر أن «اتحاد العاملين في وكالة الغوث» كان قد نفذ اعتصاماً في ساحة المقر المركزي لـ«الأونروا» في غزة منتصف الشهر الجاري، احتجاجاً على التقليصات التي تنفذها تدريجاً، وأعرب الاتحاد عن مخاوفه المتكررة من إنهاء وجود «الأونروا» في غزة.