سيطر العنصر التركي أمس، على المشهد المتصل بالأزمة الخليجية. إذ دفعت أنقرة بثقلها السياسي والدبلوماسي والاقتصادي إلى المنطقة، في محاولة تستهدف، كما يقول المسؤولون الأتراك، منع تفاقم الأزمة.
محاولة تستبطن تظهير الدعم التركي «اللامحدود» للدوحة، تحسباً لأي تطورات دراماتيكية تتجاوز «الكباش» الحاصل اليوم. وفيما لم تخرج من الكويت أي بادرة إلى إمكانية تحلحل الخلافات خلال الفترة القليلة المقبلة، بعثت واشنطن بمؤشرات تفاؤل لم يتضح، إلى الآن، ما إذا كان ثمة معطيات حقيقية تستند إليها.
وأكد إبراهيم كالين، المتحدث باسم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أن «أولويتنا الرئيسية في إطار جهودنا مع كل من قطر والسعودية والدول الخليجية الأخرى هي حل هذه الأزمة من طريق المفاوضات، لا تصعيدها»، لافتاً إلى أن «علينا اليوم التصدي لمشكلات عديدة مثل داعش، والحرب المستمرة في سوريا، ومكافحة الإرهاب والفقر»، مضيفاً أنه «وسط كل هذا، فإن التوتر الذي يتصاعد في المنطقة لن يؤدي إلا إلى إهدار مواردها وفرصها». وكرر كالين القول إن «القاعدة العسكرية التركية في قطر، التي أقيمت قبل اندلاع الأزمة، تأسست لضمان أمن المنطقة بأسرها، ولا تشكل أي تهديد عسكري لأي دولة».
على خط موازٍ، وصل وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، مساء أمس، إلى الدوحة، برفقة وزير الاقتصاد نهاد زيبكجي. وأوضح عقب وصوله، أن «وقوف تركيا مع قطر ليس معناه أننا ضد أحد، أو أننا اخترنا أحد الأطراف»، مشيراً إلى أن «قطر دولة شقيقة، والقطريون إخواننا ونحن هنا تضامناً معهم»، متابعاً: «(إننا) جئنا هنا لنعلن تضامننا مع قطر، وإيجاد حل للأزمة الواقعة بين قطر ودول خليجية». وأثنى جاويش أوغلو على موقف قطر حيال الأزمة، قائلاً إن «كل من تحدثت معهم قالوا إن قطر تعاملت مع الأزمة بحكمة وهدوء، وإنها لن تصعد».

العتيبة: الدول الأربع تعمل على إعداد قائمة موحدة بمطالبها من الدوحة

ومن المرتقب أن يتوجه، بعد لقائه أمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني، ونظيره القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، إلى الكويت، ومنها إلى السعودية «إذا أمكن ذلك» بحسب ما كان الوزير التركي نفسه قد صرّح به. وفي موازاة المحاولات التركية لتحريك الوساطة الكويتية التي دخلت حالة سبات، أرسلت واشنطن، على لسان المتحدثة باسم وزارة الخارجية، هيذر ناو، مؤشرات إيجابية هي الأخرى، مؤكدة «أننا متفائلون، والأسوأ أصبح خلفنا»، متحدثة عن «تقدم في هذا المجال». ورداً على سؤال عمّا إذا كانت الولايات المتحدة تعدّ قطر دولة «داعمة للإرهاب»، أجابت: «لن نغرق في التفاصيل... الأمور تسير في الاتجاه الصحيح. ولنبقِ تركيزنا على هذا الأمر لكي نتمكن من مواصلة الحرب على الإرهاب».
بدورها، أعلنت الأمم المتحدة دعمها الوساطة التي تقودها الكويت. وأفاد المتحدث باسم المنظمة الدولية، ستيفان دوجاريك، بأن الأمين العام أنطونيو غوتيريش، اتصل هاتفياً بنائب رئيس الحكومة الكويتية، صباح الخالد الصباح، و«عبّر له عن دعمه الكامل لجهود الكويت لتخفيف حدة التوتر، والدعوة إلى حوار فاعل». وعلى الرغم من الدفع الإقليمي والدولي الذي تحظى به الوساطة الكويتية، إلا أنها لم تفرز، إلى اليوم، أي جديد على خط الأزمة. هذا ما أكده وزير الخارجية التركي نفسه عندما قال من أنقرة، قبيل توجهه إلى الدوحة، «إن أمير الكويت زار الدول الأربع وأبلغها تمنياته الطيبة، إلا أننا لم نرَ أي مقترح ملموس أو وسيلة تتعلق بكيفية حل الأزمة». تعقّدٌ لا تزال التصريحات السعودية والإماراتية تصب في اتجاه تعزيزه، لا الحد منه تجاوباً مع مساعي الحل. ولوّح سفير الإمارات لدى واشنطن، يوسف العتيبة، أمس، بـ«تصعيد الضغط الاقتصادي مجدداً (على قطر) ما لم يحدث تغير في السياسة، أو مفاوضات تقود إلى تغير في السياسة».
وكشف العتيبة أن الدول الأربع التي قاطعت قطر تعمل على إعداد قائمة موحدة بمطالبها من الدوحة، «من المتوقع تسليمها للولايات المتحدة قريباً جداً»، موضحاً أن «المطالب تتعلق بمجالات دعم الإرهاب، والتدخل في الشؤون الداخلية لهذه الدول، والهجمات عليها من خلال منصات إعلامية مملوكة لقطر». ونفى العتيبة «وجود جانب عسكري لأي شيء نفعله».
على المقلب القطري، برزت جملة تصريحات لرئيس وزراء قطر ووزير خارجيتها السابق، حمد بن جاسم آل ثاني، أدان فيها الاتهامات الموجهة إلى بلاده بدعم الإرهاب، داعياً إلى أن يقف القانون الدولي أمام «تجاوزات الدول التي قامت بحصار قطر». وفي حوار تلفزيوني، رفض المساس بسيادة قطر أو «التشكيك في نزاهتها»، مشيراً إلى أن بلاده «شريكة لأميركا في مكافحة الإرهاب بعد (هجمات) الحادي عشر من سبتمبر». واعترف بأن «الجميع ارتكب أخطاءً في سوريا» بمن فيهم الأميركيون، متابعاً أنه «مع مرور الوقت اكتشفنا أن بعض الجماعات لها أجندات أخرى وتوقفنا عن التعامل معها». وحول العلاقة مع «الإخوان»، رأى أن الجماعة «تنضوي تحت لوائها جماعات متعددة، فمنهم من يمثلون الشعب في برلمانات بعض الدول، ومنهم من ينتهج العنف»، مشدداً على «ضرورة التفريق بين تلك الجماعات». وبشأن العلاقة مع إيران، تحدث عن «وجود علاقات طبيعية مع إيران، لأنها دولة جارة ونشترك معها بحقل للغاز، ووجود هذه العلاقات لا يعني أننا ضد حلفائنا وإخواننا في مجلس التعاون الخليجي».
من جهة أخرى، اتهمت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، أمس، الإمارات والبحرين بانتهاك حقوق الإنسان عبر التهديد بسجن أو تغريم من يبدون تعاطفاً مع قطر، داعية الدول المقاطِعة الأربع إلى احترام حقوق مواطنيها، إلا أنه على الرغم من تحذيرات المنظمة الدولية، بدأت دول الخليج تنفيذ تهديداتها فعلاً، مستهلة إياها بحبس بحريني أظهر «تعاطفاً» مع قطر على مواقع التواصل الاجتماعي.
(الأخبار)