في ظل تواصل الخطوات التصعيدية السعودية والإماراتية بوجه قطر، حاولت الكويت، أمس، إعادة بث الروح في وساطتها، التي بدا خلال الأيام القليلة الماضية أنه تم وأدها في مهدها. إلا أن استمرار الرياض وأبو ظبي في تكثير حلقات خناقهما المفروض على الدوحة، أوحى بأن الأزمة في طريقها نحو مزيد من التعقيد والاشتعال، وسط بروز مؤشرات إضافية إلى إمكانية تحول التوقعات بنوع من «التدويل» للأزمة، إلى واقع على الأرض.
مؤشراتٌ تترافق مع مبادرة مضادة بدأتها قطر، لا تستهدف تقديم إيضاحات وردود فعل على ما قامت به رباعية السعودية والإمارات ومصر والبحرين، بقدر ما تستهدف سبر أغوار عدد من العواصم الإقليمية والدولية، من أجل الوقوف على رأيها في ما لو تصاعدت الأمور أكثر. وفي هذا السياق، يسأل الدبلوماسيون القطريون محدثيهم عن موقفهم في حال قررت السعودية، بوجه خاص، التورط في مغامرة من شأنها تفجير الأمور.
يحصل ذلك بينما تقفل السعودية والإمارات الباب أمام أي وساطة فعلية. وعلى الرغم من أن وزير الخارجية الكويتي، صباح الخالد الصباح، أعلن أمس أن قطر مستعدة لـ«تفهّم هواجس أشقائها، والتجاوب مع مساعي تعزيز الأمن والاستقرار»، مشدّداً على ضرورة حل الخلاف «من خلال الحوار المباشر، في إطار البيت الخليجي»، إلا أن المعلومات تؤكد أن أمير الكويت عاد خائباً، حتى إنه رفض نقل المطالب السعودية والإماراتية إلى أمير قطر لأنه مقتنع بأنها غير واقعية، ما دفع الرياض وأبو ظبي إلى التعرض للكويت، من خلال بعض الأصوات السعودية القريبة من الحكم، والتي عادت بالزمن إلى يوم استقبلت السعودية الهاربين من عدوان صدام حسين على الكويت.

أقفلت السعودية والإمارات الباب أمام أي وساطة فعلية


على أن الأمر لا يقف عند هذا الحد، إذ إن المشكلة التي تواجه السعودية اليوم ترتبط بالخطوات الواجب اتخاذها للضغط أكثر على قطر، بعدما تبيّن أن الدوحة ليست في وارد تقديم تنازلات حتى الآن، إلى درجة ينقل فيها دبلوماسي غربي عن مسؤولين قطريين استبعادهم الدخول في مفاوضات قبل إلغاء قرارات الحصار. وتبيّن، لاحقاً، أنّ الأميركيين تدخلوا لدى السعودية والإمارات من أجل الشروع في خطوات «تخفيفية»، فتم تجميد قرار وقف التعامل مع العائلات التي تضم قطريين وآخرين من دول الخليج، وطُلب من البحرين إعادة فتح الأجواء أمام رحلات معينة. لكن الواضح أن كل ذلك لم يخفف من حدة التوتر.
على الصعيد القطري الداخلي، تتحدث مصادر من الدوحة عن أن أمير قطر ينشط مع فريقه من أجل تعزيز الوحدة الداخلية، فيما تُعقد يومياً اجتماعات مع جميع العائلات القطرية ورجال الأعمال. وفي حين تعمل الحكومة على صرف أموال إضافية مقابل إبقاء الأسواق في حالة وفرة دائمة، يجري، على خط مواز، تعزيز التواصل مع جهات إعلامية محلية وخارجية بقصد الحصول على أكثر موقف موحد خلف أمير قطر. وفي خضم ذلك، يردّد المقيمون في قطر عبارات موحدة حول «رفض الوصاية»، وشروحات متطابقة عن «قدرة قطر على الصمود»، وعن «رفض الإملاءات التي إن فُتح الباب لها فلن يقفل من جديد»، على حدّ تعبير أحد المسؤولين القطريين، الذي ينفي أن تكون بلاده قد تلقّت «دفتر شروط» من الرياض أو أبو ظبي.
على جبهة تركيا وإيران، يبدو واضحاً أنّ القطريين يستوضحون البلدين حول إمكانية القيام بخطوات أكبر لكسر الحصار. وإذا كانت أنقرة معنية بتفعيل اتفاقية الدفاع مع قطر من خلال تعزيز وجودها العسكري في قاعدة الريان، فهي لن تعزز من خطواتها خارج التنسيق مع حلف الـ«ناتو». أما إيران فلا يبدو أنها في وارد الإقدام على أي خطوة من شأنها إفساح المجال أمام أعدائها في السعودية، ومن خلفها الولايات المتحدة، لجرّها إلى مواجهة. حتى إن وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، أكد، خلال الاتصال الذي جرى بينه وبين نظيره القطري، رفض بلاده الحرب. ويدرس الإيرانيون كيفية رفع وتيرة الرحلات الجوية والبحرية التي تخفف من الحصار على قطر لا أكثر. وفي هذا السياق، أرسلت إيران، خلال اليومين الماضيين، ست طائرات محمّلة بعشرات الأطنان من المواد الغذائية والخضر إلى قطر، في الوقت الذي أعلن فيه مرفأ «دير» في محافظة بوشهر أن «350 طناً من المواد الغذائية تم تحميلها إلى الدوحة أيضاً على متن ثلاث سفن صغيرة».
غير أن إيران تبدي خشية من محاولة الأطراف الأخرى التصعيد، حتى إن محللين إيرانيين عمدوا خلال اليومين الماضيين إلى تقديم شروحات حول الاتفاقية الدفاعية بين قطر وإيران، موضحين أن التحرك الإيراني مشروط بتعرض قطر لهجوم خارجي، وأن المواجهة بين قطر ودول خليجية ليست مواجهة مع قوى خارجية. وما تجدر الإشارة إليه، هنا، أن ثمة رأياً في إيران يقول إن الأميركيين هم من يقفون خلف كل ما يحصل، وإنّ الرئيس دونالد ترامب الداعم لخطوات الرياض وأبو ظبي لا يمنع الإدارات الأخرى في الخارجية والدفاع من نصح القطريين بالصمود، ونصح أطراف خليجية أخرى مثل الكويت بمواصلة المساعي السياسية وعدم الانجرار إلى المعركة القائمة. وهو ما يعتقد الإيرانيون أنه لعبة، تهدف إلى توريط قوى إقليمية كبرى، مثل إيران وتركيا، وحتى باكستان، في مواجهة تكون مدمّرة للجميع.
وإلى جانب المواقف الإيرانية والتركية، برز موقف مغربي لافت، أعلنت فيه المملكة، التي مالت بوضوح إلى صف السعودية خلال السنوات الأخيرة، التزامها «الحياد البنّاء» في الأزمة المندلعة راهناً. وقالت وزارة الخارجية، في بيان، إن «المملكة حرصت على عدم... اتخاذ المواقف المتسرعة، التي لا تقوم سوى بتأجيج الاختلاف»، حاضّة دول الخليج على «التحلي بالحكمة من أجل التخفيف من التوتر، وتجاوز هذه الأزمة، وتسوية الأسباب التي أدت إليها بشكل نهائي».
وفي إثيوبيا، البلد الأفريقي الذي يشكل ساحة رئيسة من ساحات التنافس الخليجي، أعلنت حكومة هيلي ماريام ديسالين دعمها الجهود الكويتية لإيجاد حل للأزمة، مؤكدة أنها «ستلعب دوراً بنّاءً في الجهود المبذولة» من أجل ذلك. والتقى ديسالين، أمس، مبعوث الملك السعودي، أحمد الخطيب، الذي وصل الجمعة إلى أديس أبابا، في زيارة مفاجئة. ولم يكد يمر يوم على بدء الخطيب زيارته، حتى وصل إلى العاصمة الإثيوبية وفد قطري برئاسة وزير الدولة، سلطان المريخي، الذي «سيطلع المسؤولين الإثيوبيين على آخر التطورات في الخليج»، وفق ما ذكر مصدر دبلوماسي أفريقي.
(الأخبار)




عزل قطر... دينياً

وجّهت وزارة التعليم السعودية أمس بسحب كتب رئيس «الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين» يوسف القرضاوي من مكتبات الجامعات السعودية، «بشكل عاجل»، كونها تشكل «خطراً على فكر الطلاب والطالبات»، بينما وجّه مفتي السعودية، عبد العزيز آل الشيخ، انتقادات إلى «الإخوان المسلمين»، داعياً إياهم إلى «الابتعاد عن العصبية والمغالطات». ورأى آل الشيخ أن «القرارات الأخيرة التي اتخذتها المملكة وعدد من الدول ضد قطر أمور إجرائية، فيها مصلحة للمسلمين ومنفعة لمستقبل القطريين أنفسهم»، واصفاً إياها بأنها «قرارات مبنية على الحكمة والبصيرة وفيها فائدة للجميع». وذكّر بالبيان الذي أصدره أحفاد محمد بن عبد الوهاب، مؤخراً، وتضمن التبرّؤ من انتساب أمير قطر السابق، حمد آل ثاني، إلى مؤسّس الطريقة الوهابية، قائلاً: «من يحاول أن ينتسب للشيخ محمد بن عبد الوهاب وهو ليس منه فعليه ترك ذلك».