يصرخ شرطي إسرائيلي عبر مكبرات الصوت: «هناك حظر تجوال... رفعت حالة الطوارئ». المكان: مدينة كفرقاسم في الأراضي المحتلة عام 1948. أمّا الزمان فليس ساعة المجزرة الشهيرة عام 1956، وإنما فجر أمس، حيث استشهد محمد طه (27 عاماً)، بعدما أطلقت عليه شرطة الاحتلال النار من مسافة قريبة.
أمّا كيف «تدحرجت الكرة»؟ فيروي شهود عيان لـ«الأخبار» أنه قبيل منتصف ليل الثلاثاء «اقتحمت الوحدات الإسرائيلية الخاصة المدينة لاعتقال رئيس مجموعة الحراسة الليلية، عبد السميع طه (مجموعة شبّان فلسطينيين يحرسون المدينة ليلاً لضبط الأمن، ومنع الجرائم)، الذي تتهمه الشرطة بارتكاب مخالفة سير».
لكن «مخالفة السير تُرسل عادةً عبر البريد، ولا تحتاج إلى اقتحام مدينة بأكملها، لاعتقال المخالف»، يوضح الشهود، مضيفين أن خلفية القضية هي أنه «منذ أسبوع قُتل الشابان محمد عامر وفادي صرصور، في جريمتي عنف وإطلاق نار، الأمر الذي رفع عدد ضحايا العنف في كفرقاسم وحدها إلى أكثر من ست جرائم (فقط منذ بداية العام الحالي)... ولأن الشرطة دأبت على ترك القتلة يتجولون بيننا دون الاقتصاص منهم، فإن أهالي المدينة طالبوا بخروجها، وإغلاق مركزها».

والد الشهيد: ابني
قتل عمداً، والتحقيقات ستظهر عناصر الشرطة كضحية


فخلال حضور الوحدات الخاصة، أوقف الشاب عبد السميع. وقبل أن يُقاد إلى مركز الشرطة، حيث مدد اعتقاله حتى الأسبوع المقبل، صعق بواسطة العصا الكهربائية واعتدي عليه بالضرب المبرح! الأمر الذي استفز أهالي المدينة. فتوجهوا للاعتصام أمام مركز الشرطة، حيث لم يكن داخل المبنى سوى «شرطي مدني» وحارس. وبعدما اتُّفق على الإخلاء بهدوء، استقدمت الشرطة مزيداً من عناصرها، وأطلقت النار على طه، من مسافة قريبة جداً، فسقط شهيداً. على أثرها، اندلعت اشتباكات عنيفة جرح خلالها العشرات، كما أُحرقت مركبات الشرطة.
وفي السياق، قال والد الشهيد، محمود طه، في حديث إلى وسائل إعلام محلية إن ابنه «قتل عمداً، وبدافع القتل المحض. فالادعاء أن الشرطة كانت تطلق عيارات تحذيرية غير صحيح، وإلا كيف أصيب ابني في رأسه وصدره». وأكد أنه «لا يثق بالشرطة الإسرائيلية ولا بتحقيقاتها التي ستظهر عناصرها كضحية وابني جلاداً».
وأضاف أن «التظاهر أمام مركز الشرطة كان سلمياً وهو احتجاج على أداء الشرطة التي لم تمسك قاتلاً واحداً، وتنشط فقط في توزيع مخالفات السير». وتساءل «ما الفرق بين الشرطة التي تقتل، وعصابات الإجرام والمافيا التي ترهب الناس وتقتل أبناءنا وتنشط في تحصيل الأتوات؟ إنهما مجرد وجهان لعملة واحدة».
وفي أعقاب استشهاد طه، أعلنت «لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية» إضراباً عاماً، أمس، في جميع أراضي الـ 48. وحمّلت في بيان لها، «الحكومة الإسرائيلية مسؤولية الإجرام المنظم، وتصاعد العنف في المجتمع العربي وجرائم القتل التي شهدتها البلدات العربية».
لكن الخطوات التي دعت إليها لجنة المتابعة «غير كافية»، كما اعتبر نشطاء فلسطينيون. والسبب هو أن «المتابعة» نفسها لم تضع خطة بنيوية لمواجهة العنف، بل سارعت إلى الموافقة على خطة «حركوش» لنشر مراكز الشرطة وتجنيد الشباب فيها، قبل أن تعلن لاحقاً أنها تراجعت عنها بشكل فعلي.
وفي هذا الإطار، اعتبر حزب «التجمع الوطني الديموقراطي» أنه «لا خيار لشعبنا سوى التصدي بحزم لهذا النهج الأمني البعيد عن قيم المواطنة المتساوية واحترام حياة البشر». وشدد على أنه «يجب تغيير سياسات تعاملنا مع الشرطة، وإيقاف نهج تعامل السلطات المحلية الفردي معها».
أمّا حركة «كفاح» التي تقاطع الكنيست الإسرائيلي، فرأت أن «الشرطة وأعوانها كشفت الوجه الحقيقي الذي طالما حذّرنا منه، وذلك بعدما قتلت الشهيد طه، وتسببت في جرح العشرات، وترويع وترهيب مدينة بأكملها».
ورأى أمين سر الحركة، أيمن حاج يحيى، في حديثه إلى «الأخبار» أن «جرائم العنف المتفشية في أوساط فلسطينيي الـ 48، تحظى بتغطية الشرطة، بهدف إرضاخ مجتمعنا للقبول بتجنيد العرب، بحجة ضبط الأمن في القرى والبلدات العربية». ودعا الهيئات القيادية والأحزاب إلى اتخاذ خطوات جديّة تتمثل في «تنظيم تظاهرات في كل القرى والبلدات. وكذلك إعلان قرار وطني موّحد، تُلزم من خلاله كل المجالس المحلية بإغلاق مراكز الشرطة الموجودة فيها».
من جهة أخرى، انتقد رئيس بلدية كفرقاسم، عادل بدير، الشرطة الإسرائيلية، متهماً إياها بأنها لا تحارب الإجرام وعصابات الإجرام المنظم في مدينته. وأكد أنها «تقتل كل من يحاول مكافحة العنف، ومن يعمل على حفظ الأمن كما حصل مع أفراد مجموعة الحراسة الليلية».