أعلن الأسرى الفلسطينيون تعليقهم الإضراب المفتوح عن الطعام بعد 40 يوماً على بدئه، في وقت لم تكن فيه تفاصيل «الاتفاق» تتضح، خاصة في ظل تناقض الرواية الإسرائيلية مع الفلسطينية الرسمية من جهة، والرواية الفلسطينية الداخلية من جهة أخرى. وبينما عبّر الفلسطينيون عن فرحتهم بتعليق الإضراب (بعدما أعلن عضو «اللجنة المركزية لحركة فتح» جمال المحيسن انتهاءه)، ضجّت المواقع الإخبارية الإسرائيلية بما يشير إلى أن الأسرى لم يحققوا أهدافهم من الإضراب.
وما يجعل الصورة غير واضحة أن الأسير مروان البرغوثي، الذي يفترض أنه يقود الإضراب، أعلن ــ عبر زوجته فدوى التي تحدثت إلى «الأخبار» ــ أنه لم يعلّق إضرابه، بل لديه ثلاثة شروط فوق شروط الإضراب الأساسية، وهي: أن يعود كل الأسرى إلى سجونهم وأقسامهم ما قبل الإضراب جراء حملة النقل والقمع الأخيرة، وإيجاد ضمانات بألا تستمر العقوبات التي اتخذتها مصلحة السجون بحق المضربين، وأن يسمح له بالاجتماع بقادة الفصائل في سجن «هداريم» للمشاورة، ثم يعلن إنهاء الإضراب.
وأفادت مصادر فلسطينية مطّلعة بأنّ ما حدث هو «تعليق للإضراب وليس إيقافاً له... وفي كلتا الحالتين جاء الإعلان على لسان وزير الشؤون المدنية في السلطة حسين الشيخ، لا الحركة الأسيرة». وتضيف المصادر أن «طريقة إخراج الموضوع تؤكد أن السلطة التفّت على إضراب الأسرى، بل عملت على إحباطه عبر الضغط على ذوي الأسرى وقادة الإضراب لإنهائه، ليس الآن، بل في أكثر من مرحلة سابقة»، علماً بأنه تم اجتماع في سجن عسقلان لعدد من قيادات الأسرى سمح لهم بعدها بالاتصال بالسلطة.

هذا أول إضراب جماعي
يفاوض عنه ويعلن إنهاؤه
خارج السجون

وهذا أول إضراب جماعي للأسرى الفلسطينيين يفاوض فيه عنهم من هم خارج السجون ــ مسؤولو السلطة ــ كما يعلن انتهاؤه من الخارج أيضاً. وهذا ربما ما ساعد وزير الأمن الداخلي في حكومة العدو، جلعاد اردان، على تصدّر المشهد، نافياً وجود أيّ «تفاهمات شفوية مع قيادة الأسرى لدراسة مطالبهم في المستقبل»، ومعتبراً أن انتهاء الإضراب عن الطعام نصر له ولمصلحة السجون، والسبب في ذلك هو رفض التفاوض مع الأسرى طوال الإضراب.
أما عن «الساعة الأخيرة» من الإضراب، فقالت القناة الثانية الإسرائيلية إن إدارة السجون لم توافق إلا على مطلب وحيد هو السماح بزيارتين خلال كل شهر بدلاً من واحدة، مبررة أنّ الثانية هي التي أوقفتها «اللجنة الدولية للصليب الأحمر» سابقاً بسبب «مشكلات في التمويل»، فيما ستعيد السلطة الفلسطينية التكفّل بتمويلها «بتكلفة ستة ملايين دولار أميركي سنوياً».
إثر ذلك، سمحت مصلحة السجون الإسرائيلية لقيادة الأسرى، التي اجتمعت في عسقلان، بالاتصال هاتفياً مع حسين الشيخ، الذي أكد الاتفاق، وفي الثانية قبيل الفجر (أمس) تم إعلان تعليق الإضراب. تعقيباً على ذلك، نقلت صحيفة «يديعوت أحرنوت» عن مصلحة السجون قولها إن الأسرى الفلسطينيين كان لديهم أمل في تحقيق مطالبهم لعرضها على شعبهم، «لكنهم لم يحققوا أيّ مطلب». وأضافت: «معظم المضربين لم يعلموا عن الأهداف التي يخوضون من أجلها الإضراب، ومنذ بداية الإضراب لم تكن هناك أي مفاوضات مع قيادات الإضراب التي تم عزلها»، فيما حال نقل الأسرى بين السجون دون تواصلهم.
على جهة مقابلة، لا تزال السلطة مصرّة على نجاح الإضراب بالكامل، إذ شرح رئيس «هيئة شؤون الأسرى والمحررين» عيسى قراقع أن الأسرى تمكنوا من إنجاز 80% من مطالبهم الإنسانية والمعيشية، مبيّناً أن هذا «الإنجاز الذي حققه الإضراب تحول جذري على صعيد الحياة الإنسانية والمعيشية للأسرى، ويمكن أن يبنى عليه مستقبلاً على قاعدة حماية حقوق الأسرى وكرامتهم».
وبالمقارنة بين ما قدمه قراقع في مؤتمره الصحافي، وما رفعه الأسرى في إضرابهم، فإن الأسرى تمكنوا فعلياً من تحقيق 80% من مطالبهم، مع أن جزءاً منها جاء بصيغة الوعود والبحث المستقبلي في التفاصيل. كذلك شُكّلت لجنة برئاسة الأسير كريم يونس (رُقّي إلى عضو في «اللجنة المركزية لفتح» قبل أيام) من أجل بحث بقية المطالب، خاصة وقف الاعتقال الإداري.
بين هذه الروايات، تُظهر مراجعة للظروف التي مرّ بها إضراب الأسرى أولاً أنه كان يفتقد الزخم الفصائلي والشعبي، في مقابل أن إدارة السجون، التي أدركت هذا مسبقاً، لم تولِ اهتماماً للإضراب بخلاف ما كان الأمر عليه سابقاً، بل عملت على قمعه مبكراً. كذلك فإن المتعارف عليه أن المفاوضات بين قادة الإضراب وإدارات السجون تبدأ من الأسبوع الثاني أو الثالث للإضراب بغض النظر عن النتائج، وهذا الأمر لم يحدث في «إضراب الحرية والكرامة».
في المقابل، كانت مفاوضات بين السلطة الفلسطينية والاحتلال تدور حول الإضراب من خارج السجون، علماً بأنها كانت من الأساس لا تمثل الأسرى الذين اشترطوا أن يكون البرغوثي على رأس المفاوضين عنهم. ويُعزى السبب في ذلك إلى غياب إجماع فتحاوي داخل السجون للدخول في الإضراب، وكان أسرى «فتح» منقسمين على أنفسهم، بل تسرّ مصادر بأن قيادات في الحركة داخل السجون تلقّت تعليمات من «اللجنة المركزية» بتجنّب الانخراط في الإضراب «خوفاً من تعاظم دور البرغوثي».
سبب آخر بنت عليه إدارة السجون، هو الاستفادة من حالة الانقسام بين حركتي «فتح» و«حماس» داخل السجون، ما نتج منها حالة ضعف وتفكك حرمت الإضراب مشاركة الآلاف من أسرى «حماس» فيه.
في غضون ذلك، رأى المعلق العسكري في صحيفة «هآرتس»، عاموس هرئيل، أن إنهاء إضراب الأسرى أدى إلى «تنفّس الصعداء في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، لأنه مع بداية رمضان، هناك إمكانية أن تؤدي وفاة أحد المضربين إلى غليان الشارع الفلسطيني». أما على مستوى النتائج، فرأى أن الفجوة بين التفسيرات المتناقضة للجانبين الفلسطيني والإسرائيلي «أمر مفهوم»؛ فالإسرائيلي لا يريد الاعتراف بأنه أجرى مفاوضات مع قيادة المضربين، وفي النتيجة تصديقه على تقديم تنازلات معينة ــ خاصة مع تنافس وزراء الحكومة على إطلاق تصريحات هجومية ضد الأسرى ــ والفلسطيني مضطر إلى إظهار كل تنازل إسرائيلي، مهما كان هامشياً، كإنجاز.
رغم النفي الاسرائيلي، يؤكد هرئيل أنه جرت محادثات غير مباشرة، على الأقل مع قيادة الأسرى، كذلك أكد أنه جرت قبل أسبوعين لقاءات بين أجهزة الأمن الفلسطينية وجهاز «الشاباك» الإسرائيلي بهدف إنهاء الإضراب. ولفت إلى أن «المسألة الحادة بالنسبة إلى الأسرى هي إعادة زيارة العائلات إلى ما كانت عليه مرتين شهرياً». أما عن بقية المطالب، فـ«قيادة الأسرى تعرف أنه في الأجواء الحالية لن تسمح الحكومة أو سلطة السجون باستئناف الدراسة الجامعية».
مع ذلك، أوضح المعلق العسكري أن الإضراب أنهى مشكلة واحدة بالنسبة إلى إسرائيل، فيما بقي «وجعان إضافيان: الأول إمكانية نشوب موجة جديدة من عمليات الطعن والدهس خلال رمضان، والثاني يتصل بتعمق مشكلة البنى التحتية في قطاع غزة»، وهو ما أشار إليه التقرير الشهري للأمم المتحدة، الذي حذَّر مجلس الأمن من أنه في حال لم تتم خطوات فورية من أجل تهدئة النفوس، يمكن للأزمة أن تخرج عن السيطرة وأن تقود إلى نتائج مدمرة للإسرائيليين والفلسطينيين.
في الوقت نفسه، رأى معلق آخر في «هآرتس»، جاكي خوري، أن النتيجة التي انتهى إليها الاضراب تؤشر على «انتصار الأسرى بالنقاط... خاصة أنهم نجحوا عملياً في إملاء جدول الأعمال، كما أن المظاهرات والنشاطات الشعبية الفلسطينية التي شملت مواجهات صعبة مع قوات الجيش أظهرت أن قضية الأسرى توجد في قلب الإجماع الفلسطيني». ومن بين ما أوضحته المظاهرات أنه لا يمكن تجاهل مكانة الأسرى، وفي مقدمتهم البرغوثي. فكلما تقدم الإضراب، «سيطر أكثر على جدول أعمال الجمهور الفلسطيني... حتى زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، إلى بيت لحم، لم تنجح في إزالة الموضوع من العناوين».
(الأخبار)