صنعاء | بعد أيامٍ قليلة من اندلاع العدوان السعودي على اليمن، شنّ تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب» هجوماً كبيراً على محافظة حضرموت، متمكناً من إسقاطها خلال ساعات فقط. المحافظة الأكبر بين المحافظات اليمنية، تعيش منذ ذلك الحين عزلةً كلية عن باقي البلاد، في ظلّ معلوماتٍ عن تدفق الدعم السعودي للتنظيم في المحافظة بالمال والسلاح (الأخبار العدد ٢٦٠٠).
يصل الدعم مباشرةً إلى أيدي «أمراء» التنظيم الذين يعملون على إنشاء معسكرات تدريب في مناطق المحافظة، بعدما اقتحموا معسكرات الجيش ونهبوا سلاحها وسرّحوا ضباطها وجنودها. صحيفة «المسيرة» اليمنية نشرت أخيراً، تحقيقاً يفيد بأن السعودية والإمارات تتحركان بكثافة في مدينة المكلا مركز المحافظة، وتعملان على تدريب الشبان وتجنيدهم ودفع «مرتبات مغرية» لهم، وتؤكد الصحيفة المتحدثة باسم حركة «أنصار الله»، أن تلك المعسكرات تهدف إلى «إنتاج عناصر مؤهلة للقيام بأعمال إرهابية ضد قوى الثورة في صنعاء، وفي عموم مناطق اليمن التي باتت خارج سيطرة القاعدة والمجموعات المسلحة التابعة لحزب الإصلاح وللرئيس الفارّ عبد ربه منصور هادي».
سلّم المحافظ عادل باحميد حضرموت إلى «القاعدة» وفرّ مع هادي إلى الرياض

ولا يزال «القاعدة» يتخذ من مدينة المكلا مركزاً لقيادته العسكرية، بعدما أعلنها «إمارةً» تحت قيادة خالد باطرفي، أحد أبرز قياديي التنظيم، الذي كان معتقلاً في سجن المكلا المركزي، قبل شنّ «القاعدة» هجومه على المدينة وإطلاق سراح السجناء. وتشير المعلومات إلى أن وزير الداخلية اليمني جلال الرويشان كان قد أرسل برقيةً إلى محافظ حضرموت عادل باحميد - المقيم الآن في السعودية - طالبه فيها «بإرسال باطرفي فوراً إلى صنعاء بعدما وصلت معلومات استخباراتية للوزارة تفيد بنية تهريبه من السجن». غير أن باحميد تجاهل الأمر لمدة أسبوعين، ثم سلّم المحافظة لـ«القاعدة» قبل أن يفرّ إلى السعودية مع هادي. وكانت مصادر في حضرموت قد أكدت في وقت سابق لـ«الأخبار»، أن تسليم المكلا لعناصر «القاعدة»، جاء بالتنسيق مع السعودية في وقتٍ كان فيه هادي قد سلّم عدداً من المدن الجنوبية، وسمح لـ«القاعدة» باقتحام معسكرات الجيش والسجون في عدن وشبوة والضالع ولحج وأبين خلال أيام إقامته في عدن قبل فراره منها إلى السعودية عشية العدوان.

مناطق تمركز التنظيم في حضرموت

تمدّد «القاعدة» بسرعة في حضرموت (191,737 كلم مربع)، عقب سيطرته على المكلا، ونهبه البنوك وتسريحه الجيش والسلطة المحلية، مسيطراً في وقت قياسي على جميع مناطق الساحل، بالإضافة إلى دخوله عدداً من المدن الحضرمية من بينها الشحر. ويتمركز التنظيم في عدد من المناطق المهمة في وادي سر، أهمها منطقة دار الراك. في هذه المنطقة، كانت توجد نقطة عسكرية تابعة للجيش بهدف تأمين الدخول إلى منطقة وادي سرّ. هذه النقطة تعرضت لهجمات متكررة من قبل تكفيريين، قبل أن يضغط أفراد من قبيلة آل حريز النهدي التي ينتمي بعض أفرادها إلى التنظيم، لإزالة هذه النقطة، حتى صدرت أوامر من وكيل المحافظه لشؤون مديريات الوادي والصحراء اللواء سالم سعيد المنهالي برفعها، في حادثةٍ مثلت أول «خطأ» مكّن التنظيم من التخطيط لجعل وادي سر معقلاً رئيسياً له.
وتكشف المعلومات عن مناطق أخرى غير المعقل الرئيسي، أُنشئت فيها معسكرات للتنظيم مثل منطقة محيمور ووادي هينن. ويتحرّك عناصر التنظيم في مناطق أخرى تقع غرب الوادي مثل وادي بن علي، مدينة القطن وضواحيها، دوعن، العقاد، شبام، وغيرها من المناطق التي يتحرك فيها التنظيم بصورةٍ شبه حرّة، منفذاً عمليات ضد سكانها والمارة عبر الطرق التي تربط بين مدن سيئون والمكلا والعبر.

الأسلحة والآليات التي بحوزة التنظيم

وفي وقتٍ أكدت فيه مصادر محلية في مدينة المكلا أن الأطقم العسكرية السعودية تدخل الأراضي اليمنية باستمرار لتمشيط المناطق، ومن ثم تعود إلى الأراضي السعودية عبر منطقة الخرخير ومطار البديع، كشفت المعلومات مستوى التسليح الذي تمتلكه «القاعدة» في حضرموت. بالإضافة إلى ما كشفته «الأخبار» سابقاً عن تسليح السعودية التنظيم في حضرموت بصواريخ «تاو»، يمتلك «القاعدة» أسلحة متوسطة، وهي الأسلحة التي نهبوها من قيادة المنطقة العسكرية الثانية أثناء اقتحام المكلا، كذلك يملكون عدداً من الدبابات التي استولوا عليها من معسكر زمخ ومنوخ في العبر ومن معسكرات المكلا، إلى جانب استخدامه أنواعاً من السيارات للقيام بالتنقل وبتنفيذ العمليات الإرهابية، إضافة الى الدراجات النارية التي يستخدمها للمراقبة والاغتيالات.
وفي ما يتعلّق بالقوة البشرية وبقيادة التنظيم، يبلغ عدد عناصر التنظيم في منطقة وادي سر فقط بين 300 و400 فرد، وهو أكبر تجمع لهم في المحافظة. أما في هينن والمناطق الأخرى، فهم لا يتجاوزون عشرات العناصر. أما القيادات، فأبرزها المدعو مبخوت بن عون بن وقاش الصيعري، إلى جانب قيادات من خارج حضرموت، وخصوصاً في أبين، بالإضافة إلى عناصر أجنبية مهمتها التدريب وتقديم الدعم اللوجستي، ولا سيما الإلكتروني والطبّي وغالبيتهم عناصر باكستانية ذكور وإناث. في هذا الإطار، تقول المعلومات إن طبيبات باكستانيات جرى تخصيصهن بمهمات التوليد وأمراض النساء في وادي سر لاستعطاف أهالي الوادي وكسب ودّهم. وذكرت المعلومات أن أفراد التنظيم ينتمون إلى قبائل المناطق الغربية من وادي حضرموت، خصوصاً قبائل الصيعر ونهد وآل كثير والجعدة وقبائل يافع، أما قبائل المناطق الشرقية من الوادي فلم يرصد أي عنصر منهم ينتمي إلى التنظيم مثل العوامر وآل جابر وآل تميم والمناهيل.

الخطر يدهم سلطنة عُمان عبر المهرة

يمثل تمكين «القاعدة» في محافظتي حضرموت والمهرة الحدودية (شرق اليمن)، خطراً كبيراً على سلطنة عُمان، مُخضعاً حدودها لسكين الإرهاب الذي لم يطرق باب السلطنة الآمنة حتى الآن. وفي المعلومات التي تلقّتها «الأخبار» ما يؤكد أن السعودية تُنشئ معسكرات تدريب للتكفيريين في الصحراء القريبة من حدود عُمان داخل الأراضي السعودية. ورغم أن «القاعدة» لم يعلن بعد سيطرته على المهرة المحاذية لعُمان، إلا أن معطياتٍ تؤكد أن شؤون هذه المحافظة تُدار بالآلية نفسها التي تُدار بها حضرموت، وأن هناك قبائل تابعة للمهرة، أرسلت أعداداً من أبنائها إلى معسكرات التدريب في شرورة السعودية التي تحتضن أكثر من معسكر للمجموعات المسلحة اليمنية المؤيدة لها، تحت اسم «جيش الشرعية». وقد أنشأت السعودية معسكراً خاصاً بعناصر «القاعدة» في مديرية زمخ ومنوخ في صحراء حضرموت على الحدود مع السعودية وفيه يجري تجنيد الشباب وتدريبهم وإرسالهم إلى الجبهات في محافظة مأرب وغيرها.




منفذ الوديعة الحدودي في قبضة مسلحي هادي


تحدثت أنباء يوم أمس، عن سيطرة مجموعات مسلحة موالية للرئيس الفارّ عبد ربه منصور هادي يوم أمس، على منفذ الوديعة على الحدود مع السعودية، والواقع في محافظة حضرموت، في وقتٍ نقلت فيه وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) التي يسيطر عليها الحوثيون عن مصدر عسكري قوله إنّ «مسلحين من عناصر القاعدة ومرتزقة العدو السعودي يهاجمون منفذ الوديعة بحضرموت». وذكر شهود عيان أن آلاف اليمنيين تجمعوا على المنفذ يوم أمس، «أملاً في الفرار».
وفي هذا السياق، قال اللواء محمد علي المقدشي المكلّف تشكيل «جيش الشرعية»، إن العاملين على الحدود يبذلون جهوداً مضنية للتعامل مع موجات اللاجئين»، مضيفاً عبر موقع «فايسبوك» أن «تدافع الناس بالآلاف من اللاجئين والفارين من جحيم المعارك التي تقودها الميليشيات ضد المواطنين الآمنين يؤدي كل يوم إلى تضاعف حجم الوافدين على المنفذ (...) ويسبب ذلك انعدام الخدمات وحدوث الاختناق بسبب الازدحام في حرارة الشمس».
(رويترز)