حملت الغارة الأميركية الأخيرة على نقطة للجيش السوري وحلفائه على طريق التنف أسئلة كثيرة تضاف إلى «عدم اليقين» الذي يلفّ مشهد الشرق السوري. التردد الأميركي في استهداف القوات المتقدمة نحو قواعد فصائلها التي تراهن على خلافتها لتنظيم «داعش» على طول الحدود مع العراق، يشير إلى أن واشنطن حريصة على عدم خسارة التنسيق مع موسكو كحرصها على ضمان نفوذها هناك.
ومع تكرار واشنطن لطبيعة الضربة «الدفاعية»، جاء ما نقلته قناة «سي أن أن» الأميركية عن قائد «مغاوير الثورة»، مهند الطلّاع، حول «طلب أميركي بتغيير مواقعهم في التنف تجنّباً للنزاع مع القوات الحكومية»، ليكرّس ذلك الحرص. وفي مقابل الاستنكار الذي أبدته موسكو حيال الغارة، جاء تأكيد رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية جوزف دانفورد أن بلاده «لن تكرر الغارة في حال لم يتم تهديد قواتها» مترافقاً مع إعرابه عن أمل بلاده بأن «تعمل موسكو مع النظام السوري لمنع التصادم في عملياتنا».
«التنسيق» الروسي ــ الأميركي لوجود وتحرك القوات البرية تطوّر في أعقاب ما جرى في محيط مدينة منبج، وتم تأطيره خلال «اجتماع أنطاليا» الثلاثي بين رؤساء الأركان، الأميركي والروسي والتركي، مطلع آذار الماضي. ورغم عدم صدور مذكّرة رسمية علنية عن الاجتماع حينها، فقد أكدت جميع المصادر المطلعة أن مخرجاته كانت تتضمن «قواعد فصل» بين القوات على الأرض السورية، ظهرت مفاعيلها في «استقرار» مناطق الشمال النسبي، عقب الاجتماع. حينها، خرجت تصريحات عن حلفاء دمشق الميدانيين ــ بعد يوم واحد ــ تؤكد مشاركتهم لدمشق في معاركها على كامل الأرض السورية، مخصصة منطقة الحدود السورية ــ العراقية. وقد يتقاطع ما سبق مع إشارة بيان «التحالف الدولي» إلى أن التقدم السوري الأخير صوب التنف «جاء رغم محاولات موسكو لثني القوات الموالية للنظام». وهنا يبدو لافتاً ما ذكره وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أمس، عن عدم وجود معلومات لديه بوجود تواصل أميركي مسبق مع موسكو قبيل تنفيذ الغارة.

قال معارضون
إن الجيش وصل على بعد 16 كيلومتراً
من التنف


وبينما يتكرس الهاجس الأميركي في فصل سوريا عن العراق بقوات موالية له، للضغط على تحالف دمشق وإيران بشكل رئيسي، يصبّ تركيز بيان «التحالف» على مخالفة القوات التي استهدفتها الغارة لطلبات روسية بعدم التوجه شرقاً على الهدف ذاته، بالتوازي مع المذكرة الأخيرة التي وافق عليها مجلس النواب الأميركي، التي تتيح فرض عقوبات على جميع الكيانات والأشخاص، ممن يتعاملون مع الحكومة السورية. التوقيع الأخير لقي بدوره اعتراضاً روسيّاً مباشراً، إذ رأى لافروف أنه «يصرف التركيز عن الهدف الرئيسي للتسوية في سوريا، المتمثّل في منع تمدد الإرهابيين في المنطقة». كذلك قال إن الغارة الأميركية «تؤكد عزم واشنطن على استخدام (جبهة النصرة) في الحرب ضد الحكومة الشرعية»، مشدداً على أن «الغارة غير شرعية وغير قانونية، بصرف النظر عن سببها». وبدوره، رأى نائب وزير الخارجية، غينادي غاتيلوف، أن الغارة «تشكل انتهاكاً للسيادة السورية، فضلاً عن تناقضها مع العملية السياسية». إلى ذلك، شدد نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، على أن «بعض الساسة في واشنطن مستعدون، بهدف الضغط على دمشق، لتدمير آفاق التسوية واتخاذ إجراءات في مصلحة الإرهابيين».
وفي أول تعليق رسمي سوري أمس على الحادثة، قال مصدر عسكري إن «اعتداء (التحالف الدولي)... على إحدى نقاطنا العسكرية على طريق التنف، أدى إلى ارتقاء عدد من الشهداء بالإضافة إلى بعض الخسائر المادية». ولفت إلى أن «الاعتداء يفضح زيف ادعاءات (التحالف) في محاربة الإرهاب»، موضحاً أن «الجيش السوري يحارب الإرهاب على أرضه ولا يحق لأي جهة أياً كانت أن تحدد مسار ووجهة عملياته ضد التنظيمات الإرهابية». ونقلت «سي أن أن» عن قائد «جيش أسود الشرقية»، طلاس سلامة، قوله إن «النظام يقصفنا بين 25 إلى 30 غارة يومياً. كذلك استهدفتنا روسيا مرة أو مرتين». وأضاف أن قواته كانت لديها «نقطة على مفرق كبد، على الطريق السريع بين دمشق وبغداد، والآن تسيطر عليها ميليشيات حزب الله الإيرانية». وتبعد هذه النقطة حوالى 16 كيلومتراً عن التنف، وهي تعدّ نقطة متقدمة نحو الشرق عن الموقع المفترض للغارة الأميركية. وقال إن «الميليشيات الإيرانية التي تم تشكيلها مؤخراً، سيطرت على الأراضي المحررة من (داعش) من قبل (التحالف)». وأكد الطلاع بدوره أن «الروس والإيرانيين والنظام... يحاولون فتح الطريق السريع من بغداد الى دمشق، وبكلمات أخرى من طهران إلى بيروت. وهم يتقدمون نحونا منذ أسبوعين». وبالتوازي، قال وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس إن الرئيس دونالد ترامب أمر بإجراء تغيير في الاستراتيجية العسكرية ضد «داعش»، والبدء بحملة تهدف إلى «إنهاء» التنظيم. وأوضح أن هذا القرار جاء بعد أن أجرى البنتاغون مراجعة شاملة للاستراتيجية التي أرسلت إلى ترامب، وأمر بناءً عليها «بعملية متسارعة» ضد «داعش». وأضاف أن الرئيس «قام أولاً بمنح السلطة للجهة الصحيحة من أجل التحرك بقوة وفي الوقت المناسب، وثانياً أمر بتحول تكتيكي من طرد التنظيم إلى محاصرته في معاقله حتى إبادته».
(الأخبار)