إذا ما تجاوزنا صفة الثرثرة التي يتحلّى بها وزير الأمن الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، فقد عبَّرت المواقف التي هاجم فيها الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون، عن هواجس تسكن صنّاع القرار السياسي في تل أبيب من الأزمة الكورية التي تبعد آلاف الكيلومترات عن فلسطين المحتلة. وتكشف القراءة الدقيقة للموقف الإسرائيلي عن رؤية في تل أبيب، مفادها أن مفاعيل الكباش الذي تخوضه إدارة الرئيس دونالد ترامب ضد كوريا الشمالية، ستتجاوز تداعياته الشرق الأقصى باتجاه منطقة الشرق الأوسط، وتطاول تحديداً رهاناتها على المستجد الأميركي في إعادة تشكيل المشهد الإقليمي.
صحيح أن ليبرمان تحدث عن مخاطر الأزمة النووية بين الطرفين، التي بالتأكيد ستطاول نتائجها الساحة العالمية، والأمر نفسه ينطبق على أي أزمة نووية أخرى في أي بقعة من الكرة الأرضية... لكن خلفيات الاهتمام الإسرائيلي بالحدث الكوري تتصل بجوانب وأبعاد أخرى. ومن أهمها أن أيّ تراجع لإدارة ترامب في مقابل صمود الرئيس الكوري سينعكس سلباً على صورة قوة الردع الأميركية في مواجهة خصوم وأعداء إقليميين في ساحات أخرى، وتحديداً في مواجهة أطراف محور المقاومة، وعلى رأسه إيران. من هنا فإن إسرائيل تراقب ما يجري بعيون الآخرين. وتتخوف من أي مرونة أميركية يتم فهمها في المنطقة على أنها مؤشر ضعف في لحظة التحدي.
في المقابل، ترى إسرائيل أنّ أيّ إنجاز جدي تسجله إدارة ترامب في مواجهة كوريا، أو على الأقل إظهار الحزم في الموقف والثبات على السقف الذي تطمح إليه، فضلاً عن أي خطوات عملانية تلجأ إليها، ستشكّل رسالة مدوية إلى أعداء الولايات المتحدة في المنطقة.
وهكذا، يتحول الحدث الذي يبعد آلاف الكيلومترات عن حدود الكيان الإسرائيلي، في رسائله ودلالاته ومفاعيله، كما لو أنه حدث يتصل بالساحة الإقليمية الملاصقة لفلسطين المحتلة، لكونه ينطوي على مؤشرات كاشفة عن مدى الاستعداد الفعلي لدى الرئيس الأميركي للذهاب بعيداً في خياراته العملانية عندما يواجه تحدياً جدياً ويضعه بين خيارين: إما التراجع المتعقلن، أو الاقدام المتهور باتجاه المغامرة، ولو المدروسة والمحسوبة بعناية.
حتى الآن، العدوان الصاروخي الأميركي على قاعدة الشعيرات الجوية السورية، أسهم في بلورة صورة مركّبة عن خيارات إدارة ترامب. فمن جهة، نجح في توجيه رسالة تجعل الآخرين يرون فيه – حتى الآن – نموذجاً مغايراً عن سلفه باراك أوباما على مستوى الخيارات العملانية... لكنه في المقابل، لم ينجح في انتزاع أي نتائج تؤدي إلى تغيير جذري في المشهد الإقليمي بما يلبي الطموح الإسرائيلي وحلفاء واشنطن الإقليميين. وهو ما دفع في حينه تل أبيب، وعلى لسان أحد أبرز وزراء الحكومة، يوفال شطاينتس إلى التأكيد أن ضربة واحدة لا تغيّر المشهد الاستراتيجي. ويعود ذلك، بمعايير محددة، إلى أن ظروف الضربة الصاروخية الأميركية وسياقاتها أظهرت قدراً من الواقعية والعقلانية في واشنطن، غير المحمودة في تل أبيب. لكونها تنطوي على مؤشرات قد تشي باستعداد أميركي ما للانكفاء في لحظة التحدي، أو على الأقل تكشف عن حرص شديد على تجنب خيارات عملانية تؤدي إلى تورط ميداني أميركي واسع في المنطقة.
وعلى هذه الخلفية لا يقلّ الاهتمام الإسرائيلي بمتابعة الأداء الأميركي في مواجهة كوريا، عن اهتمامها بأدائه في الساحة الإقليمية المباشرة. بل ترى أنها معنية بهذا الحدث لجهة رسائله ومفاعيله السياسية والردعية في المنطقة.
مع ذلك، المتابعة الإسرائيلية لما يجري شيء، والثرثرة التي أدلى بها ليبرمان شيء آخر، خاصة أنه لا يوجد ما يفرض على إسرائيل اتخاذ أي موقف تجاه هذه القضية. والأمر الذي أسهم في مفاقمة مفاعيل هذا الموقف هو الرد الكوري الشمالي غير المسبوق على وصف رئيس البلاد بالمجنون، والتهديد بالعقاب الذي لا يرحم، وهو ما أدى إلى توجيه انتقادات داخلية إلى ليبرمان، متهمة إياه بأنه أقحم اسرائيل في قضية لا علاقة لها مباشرة بها.