نجح الشاب الفلسطيني عاهد في الوصول إلى أوروبا بعد رحلة استمرت أشهراً، ولكنه يقرّ بإخفاقه في انتزاع سعادة حقيقية وهو ينتظر إتمام طلب لجوئه، خاصة أنه لا ينفك يتواصل مع زوجته شام، التي بقيت في قطاع غزة.
عاهد (28 عاماً) يستجدي ذاكرة مثقوبة في استرجاع حديث جدته عن النكبة الفلسطينية وتفاصيل الهجرة وضياع الأرض، وهو الذي ترك فلسطين متجهاً إلى ما وراء البحر، ليجد نفسه جنوبي بروكسل، عاصمة بلجيكا.
الآن، ينهي هذا الشاب عامه الأول في بلجيكا وسط مجموعة متنوعة من المهاجرين، من أفغانستان والعراق والكاميرون والمسكيك، داخل غرفة لا تتسع أصلاً سوى لأربعة أفراد. يقول: «لا أعرف ماذا أفعل الآن وحدي... هناك من يتمنى مكاني وأنا أتمنى مكانه مع أن هذه الهجرة كانت حلمي»، مضيفاً: «قدمت طلب لجوء في بلجيكا منذ عام ولا أزال أنتظر، وحالياً أشغل نفسي بدراسة اللغة الفرنسية».
وأشار إلى أنه وصل إلى بروكسل بعد رحلة طويلة عبر ثماني دول، براً وبحراً وجواً، دفع خلالها مبلغ ستة آلاف دولار أميركي للمهربين فضلاً على التنقلات الذاتية والطعام. ويتابع: «أنتظر بشوق قدوم أسرتي من غزة إلى هنا... فعلت كل ذلك من أجل أسرتي حتى نستقر في بيئة لا يوجد فيها موت وقتل».
القصة نفسها تتكرر مع لمى الباشا (32 عاماً، من مدينة خان يونس)، وهي أمّ لطفلين، لكنها على عكس عاهد، ينتظرها زوجها في غزة. وتقيم الباشا في مدينة غينت، شمالي البلاد، قائلة إنها اختارت بلجيكا «لأن الفلسطيني له أولوية هنا في أخذ الإقامة، كما يحصل على مساعدة اجتماعية لحين إكمال لغة دراسته والحصول على عمل».
وتضيف: «أجد مهاجرين كثيرين مستقرين هنا منذ مدة طويلة... أشعر بجو خاص هنا في بلد ليس مثل باقي الدول، وأظن أنني سوف أكون أقوى إذا حصلت على الإقامة البلجيكية لأن هناك عدداً جيداً من الفلسطينيين أعرفهم وصلوا من غزة إلى بروكسل وتحديداً بعد الحرب».

تغيّرت النظرة الحكومية بسبب تقديرات تقول إن «الأونروا» توفر ظروفاً جيدة في غزة!

لمى، التي أنهت دراسة طب الأسنان في غزة، وجدت ضالتها في تعلم اللغة الهولندية في الشطر الشمالي على عكس الفرنسية في الشطر الجنوبي، خاصة أن مدن الشمال أكثر نظاماً وسرعة في الحصول على عمل.
في هذا السياق، يعقّب القنصل الفلسطيني العام في مملكة بلجيكا ولوكسمبورغ، هادي شبلي، بالقول إنهم رصدوا وجود آلاف الفلسطينيين في بلجيكا، مرجعاً ذلك إلى أن المملكة ذات اللغتين «كانت غير مكتشفة (لدى اللاجئين)، وكانت كل الطرق تذهب إلى الدول الاسكندنافية، وبدرجة أقل فرنسا».
شبلي، الذي يتأسف بسبب كثرة أعداد اللاجئين من غزة بعد الحربين الأخيرتين 2012 و2014 يؤكد ما قاله كثيرون، عن أن الأعداد إلى بلجيكا تحديداً تزداد بقوة. ويضيف: «منذ ستة أعوام قرابة عشرة آلاف فلسطيني من غزة قدموا جميعهم طلبات لجوء إلى بلجيكا، وكانت الأولوية لهم عالية هنا في قبول الطلبات... أخيراً أخذت الأمور تتعقد أكثر».
وشبلي، الذي جاوز 50 عاماً، قال إن العدد الأصلي للفلسطينيين في بلجيكا يقدر بخمسة عشر ألف إنسان خاصة مع قدوم عائلات الموجودين هنا عبر نظام لمّ الشمل، لافتاً إلى أن وزارة الهجرة البلجيكية تتواصل مع القنصلية الفلسطينية في حالات خاصة وقليلة لتأكيد هوية بعض الأفراد الذين يقولون إنهم من فلسطين.
ويرى أن الوضع أخيراً تغيّر، وأن صعاباً كثيرة ستواجه القادمين تباعاً بسبب سياسة التقشف في قبول اللاجئين. وهو الأمر الذي أكده لنا موظف بلجيكي ــ من أصل مغربي ــ يعمل في «الكومسريات» (المقر الحكومي الرئيسي لوزارة الهجرة واللاجئين)، بقوله إنه «من الصحيح أن الحكومة تنظر بإيجابية أكبر إلى الفلسطيني خاصة القادمين من غزة، لأنه يصنف بلا وطن، لكن ثمة أخيراً رفض لعدد من الطلبات، خاصة أن التقدير الحكومي يقول إن الأونروا تستطيع تأمين حياة وظروف جيدة لهم».
إلى ذلك، تظاهر عشرات الفلسطينيين من طالبي اللجوء في بلجيكا احتجاجاً على التأخير في معاملاتهم خلال اليومين الماضيين.