بحسب التصريحات الأميركية، تمّ توجيه 59 صاروخ «توماهوك» من على مدمّرات أميركية في المتوسّط، لتضرب هدفها في وسط سوريا، لم يصل، بحسب التقارير والشهادات الروسيّة، إلا 23 صاروخاً منها إلى مطار الشعيرات. الأميركيّون، في المقابل، يدّعون أنّ كلّ الصواريخ ــ باستثناءٍ صاروخٍ واحد ــ قد أصابت أهدافها.
من شبه المستحيل التيقّن من الحقيقة في حالةٍ كهذه، ولكنّ الخبراء الذين عاينوا صور الضربة وحجم الأضرار يشكّكون في الرواية الأميركية.
من الصّعب إسقاط صاروخ «توماهوك» بأكثر وسائل الدفاع الجوي التقليدية، فهو يطير على ارتفاعٍ منخفض، ما يمنع أنظمة الصواريخ الرئيسية من التعامل معه. في المقابل، الـ«توماهوك» بطيءٌ نسبياً، ومن الممكن إسقاطه بسهولة لو تمّ رصده وكان ضمن مدى نظام دفاعٍ كفوء (في العراق، تمّ إسقاط «توماهوك»، في حالاتٍ، بواسطة الأسلحة الخفيفة). وبسبب تطوير هذه الصواريخ الجوّالة، طوّر الاتحاد السوفياتي، منذ الثمانينيات، أنظمة دفاعٍ جوي قصيرة المدى، أحد أهمّ مهمّاتها حراسة النقاط العسكرية الثمينة وطوابير الجيش من هذه الصواريخ. «تونغوسكا» ومن بعده «بانتسير» هي عربات دفاع جوّي تحمل، في الآن، صواريخ قصيرة المدى ورشاشات ثقيلة موجّهة بالرادار، تقدر على إسقاط صاروخٍ بطيءٍ بسهولة إنّ مرّ ضمن مداها. هذه الأنظمة تحمل أيضاً عدداً كبيراً من الصواريخ الصغيرة، (12 صاروخ لكلّ عربة «بانتسير») للتعامل مع رشقات كبيرة من «توماهوك» وأشباهه (فالتكتيك الأميركي في استخدام الصواريخ الجوّالة هو منهج «الإغراق»، حيث يتمّ إطلاق عددٍ كبيرٍ من الصواريخ في آن واحد، فتفوق قدرة المدافعين وذخيرتهم). بشكلٍ عام، تقوم العقيدة الروسية على أن تتمّ حماية بطاريات الدفاع الجوي (مثل اس ــ 400) بأنظمة قصيرة المدى من هذا النوع، وأن ترافق هذه العربات أيضاً القوّات حين تتحرّك، إضافة الى حماية النقاط الاستراتيجية والمهمّة. أمّا الوسيلة الثانية لإعاقة ذخائر مثل «توماهوك» فهي عبر التشويش عليها، وعزلها عن نظام التوجيه بالأقمار الصناعية، فيتيه الصاروخ أو تنخفض دقّته بشكلٍ كبير.
الفارق بين الادّعاءات الروسيّة والأميركية حول غارة الشعيرات كبير. تقول الشركة الصانعة إنّ صاروخ «توماهوك» لديه معدّل اعتمادية يقارب 85% (و90% للأجيال الأحدث)، ما يعني أنّه من الطبيعي أن لا تجد نسبة من الصواريخ أهدافها، أو أن تسقط أثناء مسارها (حتّى تلك التي تصل إلى الهدف لا تصيب دوماً: أحد الصّواريخ التي قالت أميركا، عام 1998، إنّها وجّهت ضدّ مركز المخابرات العراقية في بغداد سقط في حديقة فندق الرشيد). ولكنّ 23 صاروخاً من أصل 59 تعني نسبة فشلٍ تفوق 60 في المئة، وهي غير طبيعية ضمن أيّ ظروف. التفسير الوحيد للرقم الروسي هو أنّه إشارة إلى أنّ أنظمةً دفاعيّة، مثل الـ«بانتسير» (وهو موجودٌ في سوريا، لدى الجيش السوري ومع القوات الروسيّة)، قد تمّ تشغيلها، وقد أسقطت عدداً من هذه الصواريخ، فيما أكمل الباقي طريقه إلى الهدف. قد تكون الضربة الأميركية صُمّمت، أصلاً، لتكون محدودةً و«موضعيّة»، ولكنّ حجم الأضرار الصغير نسبياً (المدرج لم يتأذّ مثلاً، ولا أغلب حظائر الطائرات، ومن الممكن أن يعود المطار الى الخدمة خلال وقتٍ قصير) يدعم فرضيّة أن أكثر الصواريخ التي استهدفت المطار لم تنجح ــ لسببٍ أو لآخر ــ في الوصول إلى مقصدها.