لقي العدوان الأميركي الذي استهدف مطار الشعيرات في محافظة حمص ترحيباً واسعاً في تل أبيب، شمل مختلف أطياف القوس السياسي الإسرائيلي. وأجمعت القيادات الرسمية على أنّ الضربة الاميركية تأتي تلبية للمصالح والأولويات الإسرائيلية في الساحة السورية.
لم تتبع إسرائيل أسلوب التسريب الإعلامي، أو التلطي وراء شخصية هامشية في المؤسسة الإسرائيلية، أو مصادر سياسية مجهولة، في الإفصاح عن الدور الذي تؤديه الضربة للقاعدة الجوية السورية، في خدمة الاستراتيجية الإسرائيلية الإقليمية، بل تسابق المسؤولون في إطلاق المواقف والبيانات، التي كانت موحدة في جوهرها. وبدت إسرائيل كما لو أن «الفرحة لم تسعها»، لأن ما كانت تنتظره وتتمناه طوال سنوات عاينته مع إطلاق عشرات الصواريخ الجوالة على القاعدة الجوية السورية. وهو ما دفع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى المسارعة إلى إصدار بيان عبّر من خلاله عن الترحيب الرسمي بالعدوان الأميركي، مشيراً إلى أنّه «بعث برسالة قوية وواضحة قولاً وفعلاً» إلى كل من يعنيه الأمر. وواصل البيان العزف على مقولة استخدام السلاح الكيميائي، ولم يكتم نتنياهو أيضاً رهانه على آفاق تداعيات العدوان، معبراً عن أمله أن تدوّي أصداء هذا الهجوم «ليس في دمشق فحسب، بل في طهران وبيونغ يانغ وأماكن أخرى».
من جهته، كشف وزير الأمن أفيغدور ليبرمان عن التنسيق الأميركي مع تل أبيب حول الضربة، موضحاً أن «الولايات المتحدة أبلغت إسرائيل بالهجوم على سوريا قبل تنفيذه». ولفت ضمناً إلى أنّ هذا الإبلاغ لم يكن خطوة روتينية عندما أوضح أنه دليل «على إثبات إضافي على قوة العلاقات وعمقها بين إسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة».
في السياق نفسه، كان لافتاً إصدار الجيش الإسرائيلي بياناً رسمياً يؤكد فيه إبلاغ تل أبيب مسبقاً بالهجوم الأميركي، معرباً عن دعمه للخطوة الأميركية. وهو ما لقي استغراباً لدى العديد من المعلقين الإسرائيليين الذين رأوا أنّ «من الغريب بعض الشيء أن يُصدر الناطق باسم الجيش بياناً رسمياً حول الهجوم الأميركي ويؤكد فيه تلقيه بلاغاً مسبقاً».

بدت إسرائيل
كما لو أن «الفرحة لم تسعها» لأنها عاينت
ما كانت تتمنّاه

على خط موازٍ، وصف وزير الاستخبارات يسرائيل كاتس العدوان الأميركي بأنه ينطوي على «أهمية استراتيجية»، مؤكداً أن العملية هي أيضاً «إشارة إلى المحور الذي تقوده إيران». ورأى أن «الولايات المتحدة عادت إلى موقع القيادة في الشرق الأوسط»، وأن العدوان يوفر لترامب فرصة من أجل بناء تحالف ضد إيران، مكرراً أن «إسرائيل عملت في السابق في سوريا وستعمل مجدداً وفق الخطوط الحمراء التي حدَّدتها».
وانضم رئيس الدولة رؤوبين ريفلين إلى قائمة المسؤولين المرحبين بالقول إن ما حدث شكّل «رداً ملائماً ومناسباً». بدوره، وصف زعيم المعارضة يتسحاق هرتسوغ خطوة ترامب بأنها «رسالة مهمة، جاءت في التوقيت الصحيح والمكان الصحيح». وذهب سفير إسرائيل في الأمم المتحدة داني دانون، إلى حد اعتبار أن العدوان «نقل رسالة واضحة: انتهى الأمر».
مع ذلك، خرج صوت يتيم من داخل الطيف السياسي عبّر عن مخاوفه من مفاعيل الترحيب الإسرائيلي وتداعياته. إذ رأى عضو الكنيست عن المعسكر الصهيوني أريئيل مرغليت، أن الهجوم مبرر، لكن «تهليلات الفرح العلنية» لرئيس الحكومة «غير ضرورية وخطيرة على إسرائيل، وقد تورطها في مواجهة عسكرية».
مع أن العدوان الأميركي جرى بعدما كانت الصحف قد صدرت في تل أبيب، فقد تناول العديد من المعلقين في أكثر من وسيلة إعلامية الحدث المستجد. ورأى المعلق العسكري في موقع «يديعوت أحرونوت» رون بن يشاي، أنّ الرئيس الأميركي وجّه رسالة إلى الرئيسين السوري والروسي، إضافة إلى إيران، والصين وكوريا الشمالية، بأنه «لدي خطوط حمراء، وأنا لست كأوباما». ولفت إلى أن وجود الروس في القاعدة الجوية السورية لم يردع ترامب عن المبادرة. وقدّر بن يشاي أنّ روسيا ستعترض على الضربة الأميركية، لكنها لن ترد عليها. وأوضح ذلك بالقول إنّ من الصعب على «الرئيس بوتين أن يتجرأ على العمل مباشرة ضد الولايات المتحدة. لكن سيكون هناك رد دبلوماسي شديد، ولكن ليس أكثر من ذلك». وبرر هذا التقدير بالقول إن وضع روسيا الاقتصادي والعسكري، لا يسمح لها حالياً بمواجهة شاملة مع الولايات المتحدة». وتوقع أيضاً أنه من أجل حماية مصالحه، «سيعمل بوتين أيضاً على كبح الأسد عن الرد».
وأكد أن «الضربة الأميركية هي بشرى سارة لإسرائيل والسعودية وتركيا»، لافتاً إلى أنّ «الولايات المتحدة تتصرف كما لو أنها هي نفسها قد استُهدفَت».
وتوقف المعلق العسكري في صحيفة «هآرتس»، عاموس هرئيل، عند الدلالة التي ينطوي عليها العدوان الأميركي من جهة أنه يعبّر عن انقلاب في توجه ترامب رأساً على عقب، وأن سياسته تحولت في خلال 48 ساعة، من أن الرئيس الاسد حقيقة باقية إلى «معاقبته بنحو غير مسبوق». وتساءل عمّا إن كان ترامب «سيواصل هذه السياسة الهجومية، أم أنها عملية أحادية من غير المتوقع لها أن تستمر». ولفت الى أنه في حال اختيار مواصلة هذه السياسة سيؤدي ذلك إلى الاصطدام بروسيا.
في السياق نفسه، حذر معلقون من أن تنجر إسرائيل للتدخل عسكرياً في سوريا، فيما دعا آخرون إلى استغلال الضربة الاميركية من أجل «تفعيل مطالبة إسرائيل بمواصلة سيطرتها على الجولان، وابعاد القوى المعادية لها عن حدودها قدر الإمكان».