أثارت المواقف الأميركية الأخيرة، بخصوص ابتعاد واشنطن عن أولوية إزاحة الرئيس بشار الأسد، سلسلة من التحليلات وردود الفعل المتباينة، نظراً لوضوحها في اعتماد «الحرب ضد الإرهاب» كهدف رئيسي للإدارة الجديدة في البيت الأبيض. وتكمن حساسية الموقف الأميركي في توقيته الذي ترافق مع انعقاد الجولة الخامسة من محادثات جنيف من جهة، وانخراط القوات الأميركية بشكل مباشر في العمليات العسكرية في الشمال السوري، من جهة أخرى.
وحملت الرسالة الأميركية تحدياً جديداً لشركاء واشنطن الأوروبيين، الذين أقرّوا منتصف الشهر الماضي استراتيجيتهم الجديدة في سوريا، والتي تنص على دعم مسار الحل السياسي وربط جهود إعادة الإعمار بحدوث انتقال سياسي داخل السلطة في دمشق. الاستراتيجية التي أقرّتها المفوضية الأوروبية ستكون محور اجتماع بروكسل الذي يعقد ليومين على التوالي، بدءاً من اليوم، والذي من المنتظر أن يبحث موقف الاتحاد الأوروبي من الملف السوري، وخاصة القضية الإنسانية.
وعلى الرغم من تصدّر واشنطن للمحور الداعم للمعارضة السورية في المحافل الدولية، برفقة الثنائية الفرنسية ــ البريطانية، فإن المواقف الأوروبية «الخجولة» التي خرجت أمس، خلال اجتماع لوكسمبورغ، بدت كأنها تحاول اتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه قضية الرئيس السوري. وبينما تبدو الدول الأوروبية متأخرة عن الروس والأميركيين في حجم النفوذ على الأرض، وفي حصة مكافحة الإرهاب، فإنها تراهن على ثقلها الكبير في ملف إعادة الإعمار للعب دور في المستقبل السوري. ومع تخلي واشنطن عن مطلب «إزاحة الأسد»، بدا الشرط الأوروبي لإطلاق أموال إعادة الإعمار، وهو حدوث انتقال سياسي فعلي، متأخراً عن الرؤية الأميركية التي لا تتطرق، حالياً وعلناً، إلى أي ملفّ سوى الحرب ضد «داعش» وإضعاف نفوذ إيران في سوريا.
وعلى هامش اجتماع أمس في لوكسمبورغ، توافق عدد من وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي على أنه لا يمكن للرئيس الأسد البقاء في السلطة في ختام المرحلة الانتقالية السياسية. وأشار وزير الخارجية الفرنسي جان مارك آيرولت إلى ضرورة «حصول انتقال سياسي فعلي، وعند انتهاء العملية السياسية... لا يمكن لفرنسا أن تتصور أن سوريا هذه يمكن أن يديرها الأسد». وأضاف أنه «لن يكون هناك سلام دائم بما يشمل مواجهة الإرهاب من دون عملية سياسية». ومن جهتها، قالت مفوضة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني، إنه «بعد ست سنوات من الحرب، يبدو من غير الواقعي تماماً الاعتقاد بأن مستقبل سوريا سيكون تحديداً كما كان عليه في السابق. لكن يعود للسوريين أن يقرروا». ولفت وزير الخارجية الألماني، زيغمار غابرييل، إلى نقطة مهمة قد تفرض حضورها في نقاشات الملف السوري المقبلة، إذ رأى أن «من غير المجدي تسوية مسألة الأسد في بداية المفاوضات، لأن ذلك سيقود إلى طريق مسدود»، مضيفاً أن «الولايات المتحدة أصبحت تعتمد موقفاً أكثر واقعية من السابق». وعاد ليشير إلى أن «من غير المقبول أن يبقى ديكتاتور ارتكب مثل هذه الجرائم في منصبه من دون عقاب، بحجة التركيز على مكافحة تنظيم (داعش)».
وبدت لافتة، بالتوازي، دعوة البيان الختامي للاجتماع «روسيا وتركيا وإيران لكي تكون على مستوى التعهدات التي قطعتها بصفتها ضامنة لوقف إطلاق النار من أجل ضمان تطبيقه الكامل».
وعلى صعيد متصل، اعتبرت المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة، نيكي هايلي، في تصريحات نقلتها شبكة «سي إن إن» الاميركية، أنه يجب على بلادها «زيادة الضغط على روسيا وإيران، لإخراج إيران من هناك (سوريا)»، مضيفة أن واشنطن «ستستمر في إخطار روسيا بمخاطر إبقاء الأسد في السلطة». ولفتت إلى أن العديد من الدول العربية في الشرق الأوسط «سعيدة لأننا نحارب ضد إيران».
(الأخبار)