في المكتب البيضاوي يوم أمس، التقى الرئيسان دونالد ترامب وعبد الفتاح السيسي، اللذان ترى الصحافة الغربية فيهما سمات مشتركة عدة، إن كان على المستوى الشخصي أو في الرؤى السياسية لمنطقة الشرق الأوسط. ربما لهذا السبب، يشعر المتابع للقمة الأميركية ــ المصرية بطغيان البعد الشخصي عليها، خصوصاً عند رصد سيل المديح الذي كاله ترامب للسيسي، والعكس.
«السيسي شخص مقرب جداً»؛ «نتفق على الكثير من الأمور منذ التقينا للمرة الأولى»؛ «لقد قام السيسي بأداء رائع في وضع صعب للغاية، ونحن نؤازره»؛ هذا جزء من كلام ترامب عن السيسي بعدما كان قد وصفه في وقت سابق بـ«الفتى الرائع». السيسي بادل ترامب الإطراء، معتبراً أن الرئيس الأميركي «شخصية فريدة»، قبل أن يؤكد أنه يقدّره «كثيراً».
لكن الجانب الشخصي، الكاريكاتوري بعض الشيء، الذي يهمّ الصحافة الغربية أكثر من غيره حين تقول صحف أميركية إن الرئيسين شخصيتان ذات سمات «نرجسية وشعبوية»، لا يمثّل كل أبعاد هذه العلاقة التي يبدو أنها ستكون وطيدة. إذ إن اللقاء شهد إعلانات مهمة لمن يحاول رسم ملامح السياسة الخارجية الأميركية تجاه المنطقة في عهد ترامب. فبعد القطيعة الأميركية التي استمرت سبع سنوات بين واشنطن والقاهرة، والتي تلت «ثورة يناير» ثم عززها عزل الرئيس محمد مرسي والأحداث التي أعقبت ذلك، انتهت رسمياً مع انتخاب ترامب، وقد جاء لقاء يوم أمس ليكرّس إعادة إحياء العلاقات بين أميركا ومصر التي يبدو أنها ستكون حليفاً أساسياً للإدارة الأميركية في المرحلة المقبلة.

لديكم مع الولايات المتحدة ومعي
شخصياً، صديق كبير وحليف كبير

ولقد أعلن ترامب يوم أمس، أن الولايات المتحدة ومصر «حليفان»، مؤكداً أنه سيقدم دعماً أقوى للقاهرة من ذي قبل. وقال ترامب إن بلاده ستقف وراء مصر في «مكافحة الإرهاب» وإنهما «سيحاربان الإرهاب معاً»، مؤكداً أن علاقة واشنطن والقاهرة «طويلة وقوية». وأضاف ترامب مخاطباً السيسي: «أود فقط أن يعلم الجميع، إن كان هناك أدنى شك، أننا نقف بقوة خلف الرئيس السيسي. لقد أدى عملا رائعا في موقف صعب للغاية. نحن نقف وراء مصر وشعب مصر بقوة». وقال: «لديكم، مع الولايات المتحدة ومعي شخصيا، صديق كبير وحليف كبير».
وتصدرت اللقاء ثلاث قضايا، هي القضية الفلسطينية وعملية السلام، مكافحة الإرهاب، وقضايا المنطقة العربية في سوريا والعراق واليمن وليبيا، وفق وكالة الأنباء الرسمية المصرية، من دون أن يخرج كلام رسمي حول هذه القضايا. وفي هذا السياق، من المقرر أن يعقد السيسي اليوم لقاءً مع ملك الأردن عبد الله الثاني في واشنطن، وهو اللقاء الذي لا يمكن فصله عن الحديث الذي تزامن مع القمة العربية الأخيرة، عن نيةٍ أميركية لإحياء الدورين المصري والأردني في «قيادة ثنائية للمنطقة» في المرحلة المقبلة، في ما يشبه استعادة «محور الاعتدال» المتحالف مع واشنطن. زيارة الملك الأردني هي الثانية منذ تولي ترامب السلطة، الأمر الذي يعكس رغبةً في تسريع وتيرة ما يمكن تسميته «حلفاً ثلاثياً»، في ظلّ الحديث عن مطالبات عربية للإدارة الأميركية الجديدة من أجل تسريع وتيرة مفاوضات السلام في خلال الأشهر المقبلة («الأخبار» عدد ٣١٣٨). وفي هذا السياق، من المتوقع أن يلتقي السيسي برئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في وقتٍ قريب. إلا أن أي حديث عن قيادة ثنائية للمنطقة، يثير سؤالاً عن موقف دول الخليج من هذه الرغبة، خصوصاً بعد عودة العلاقات بين مصر والسعودية أخيراً بعد توتر استمر أشهراً.
وكان ترامب قد التقى السيسي في خلال مشاركته في جلسات الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول الماضي، معلناً في حينه «الدعم القوي لحرب مصر على الإرهاب، وأن «أميركا ستكون صديقاً مخلصاً لمصر» في عهده المرتقب آنذاك، «لا حليفاً فقط». ذلك الكلام بشّر بنهاية إدارة واشنطن ظهرها للقاهرة، إذ كانت إدارة أوباما، قد جمدت المساعدت العسكرية لمصر، بعدما كانت واشنطن تقدم إلى مصر نحو 1.5 مليار دولار مساعدات سنوية، بينها 1.3 مليار مساعدات عسكرية، وذلك منذ توقيع مصر معاهدة «كامب ديفيد» عام 1979.
وعام 2015 طرأ تغيير على الموقف الأميركي، إذ سُمح بتسليم مصر طائرات «أباتشي» لمساعدتها في العمليات العسكرية لـ«مكافحة الإرهاب في سيناء».
وعلى مستوى الملف الحقوقي الإشكالي في مصر، ولا سيما في ظلّ القيود الشديدة التي فُرضت في عهد السيسي على الحقوق المدنية والسياسية وعدد المعتقلين السياسيين المرتفع، فضلاً عن ضحايا «الاختفاء القسري»، كانت وكالة «رويترز» قد نقلت عن مسؤول كبير في إدارة ترامب قوله أمس، إن «المخاوف بشأن موضوع حقوق الإنسان ستثار في خلال اجتماع»، مستدركاً أنَّ ذلك سيكون «بطريقة خاصة وسرية»، الأمر الذي انتقدته مديرة منظمة «هيومن رايتس ووتش» في واشنطن، سارة مارغون.
(الأخبار)