لم يأت إصرار رئيس حكومة العدو الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، على رواية أن المقاومين في قطاع غزة اتخذوا المدنيين دروعا بشرية، إلا جزءا من سياسة دعائية إسرائيلية ترمي إلى شرعنة استهداف المدنيين، وتعبيرا عن إصرار تل أبيب على مواصلة هذه السياسة؛ إذ تدرك إسرائيل أن صوتها هو المسموع في العالم، لا صوت الأطفال الضحايا، حتى لو صدر عن الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، طلب باتخاذ إسرائيل الإجراءات لتفادي قتل الأطفال الفلسطينيين.
فوق ذلك، تريد إسرائيل توجيه رسالة مفادها أنه بعدما سلبت المقاومة من جيشها القدرة على الحسم العسكري، فإنها لن تبقى مكتوفة الأيدي، بل اعتمدت، وستعتمد، معاقبة المقاومة باتباع سياسة التدمير الشامل الذي لا يميز بين مدني وعسكري، وإلا فإن موقف نتنياهو يعني، أنه من أجل دفع المقاومين التهمة عن أنفسهم، ينبغي لهم أن يصطفوا في الساحات كي يتمكن سلاح الجو الإسرائيلي من استهدافهم.
ويبدو أن إسرائيل لا تكتفي فقط بأن أحدا في العالم لا يحاسبها على جرائمها، بل تريد منع أي تعاطف مع الضحايا المدنيين، أو حتى مطالبة جيشها بقدر من الاحتراز تفاديا لما يؤدي إلى مقتلهم. وبكل «جرأة»، وصف نتنياهو «اليوم الذي انتقدت فيه الأمم المتحدة» قتل مئات الأطفال الفلسطينيين، بأنه «يوم أسود للأمم المتحدة»، متهما إياها بالنفاق.
ومن أجل إيجاد قدر من التوازن مع صورة الجيش الذي تعمّد قتل الأطفال والمدنيين، رأى رئيس حكومة العدو أنه «بدلا من عرض حقيقة إقدام حماس على جعل أطفال غزة رهائن بإطلاقها الصواريخ من رياض أطفال على الأطفال الإسرائيليين، وبحفرها الأنفاق الإرهابية بهدف الوصول إلى رياض أطفال إسرائيلية، لقد لجأت الأمم المتحدة مرة أخرى إلى الوعظ لإسرائيل».
يبدو أن نتنياهو أصاب في توصيف موقف الامم المتحدة باعتباره مجرد «وعظ»، لكونه لن تترتب عليه أي مفاعيل تتناسب مع طبيعة وحجم الجريمة التي ارتكبتها إسرائيل، والأخيرة أصلاً لا تقبل حتى مجرد تسجيل النقاط.
يُشار إلى أن غالبية ضحايا العدوان الإسرائيلي ضد غزة، في الصيف الماضي، كانوا من المدنيين، وفي المقابل فإن الأغلبية من القتلى الاسرائيليين كانوا من الجنود وهم على أراضي غزة. ووفق معطيات الامم المتحدة، استهدف خلال العدوان على القطاع 540 طفلا، من ضمن أكثر من 2100 شهيد.
في السياق نفسه، رأى مندوب إسرائيل في الأمم المتحدة، رون بروسور، أن الأمم المتحدة تتصرف «بازدواجية أخلاقية تجاه إسرائيل». وأعرب في رسالة وجهها إلى الأمين العام، عن قلقه العميق بشأن «الإدارة السوية للجزائرية (ليلي) زروقي في عملية إعداد التقرير»، متهما إياه بـ«الانحياز المنهجي».
وبشأن عملية التسوية (أ ف ب)، فإنه من المقرر أن يزور وزير الخارجية الفرنسي، لوران فابيوس، المنطقة في اليومين المقبلين بهدف عرض مبادرة فرنسية لاستئناف «السلام» بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وإقناع الطرفين بالحاجة الملحة للتفاوض «في سياق التهديدات الإقليمية».
وتقوم الفكرة الأساسية للمشروع الذي سيدافع عنه فابيوس خلال زيارته الرابعة للمنطقة منذ 2012 على استئناف المفاوضات الفلسطينية ــ الإسرائيلية المجمدة منذ أكثر من سنة، تحت رعاية دولية ووفق جدول زمني محدد. ومع ذلك، يظهر أنه ليس لدى باريس آمال كبيرة حول نتائج هذه الجولة التي تستمر السبت والأحد، وتشمل مصر والأردن وفلسطين المحتلة، فالوزير نفسه قال أخيرا أمام الجمعية الوطنية الفرنسية إن «لا أحد يمكنه أن يعرف إن كانت النتيجة ستكون إيجابية».
وبالتقييم السياسي، فإن الظروف الحالية غير مناسبة لعودة المفاوضات، إذ إن نتنياهو يقود منذ أيار الماضي حكومة توصف بأنها الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل، وضمن إطار ائتلاف ضعيف، وفي الجانب الفلسطيني، يواجه رئيس السلطة محمود عباس أزمة سياسية، فهو لم ينجح في تحقيق المصالحة بين حركة «فتح» التي يرأسها وتتولى السلطة في الضفة المحتلة، و«حماس» التي تدير قطاع غزة.