القاهرة | كخطوة استباقية تهدف إلى تجفيف منابع جماعة «الإخوان المسلمين» وأنصارها ضمن الطيف الإسلامي الواسع في مصر، سيطرت وزارة الأوقاف كلياً على المساجد في رمضان؛ فقد خصّت «الأوقاف» نفسها بمهمة الإشراف على العبادات الجماعية كافة، كصلوات التراويح والتهجد أو الاعتكاف في العشرة الأواخر، أو حتى الدروس الدينية وحلقات الفتاوى بين الصلوات. ووصلت المهمات إلى التدخل في مجالات جمع الأموال والصدقات التي تشهد رواجاً في رمضان بين أوساط المصريين، حتى أولئك غير المحسوبين على «الإسلاميين».
واستهدفت قرارات الوزارة «الإخوان» من دون أن تلحظها، وشددت على مسؤولي الأوقاف والمشرفين على المساجد في المحافظات بضرورة «عدم تمكين أي جماعة أو جمعية من جمع أي أموال أو السيطرة بأي حال على إدارة المسجد». ومن باب المقارنة، ففي زمن الرئيس المخلوع حسني مبارك، ورغم الصراع مع «الإخوان» ووجود قرار بتحديد «الأوقاف» مساجد للاعتكاف، فإن الدولة كانت تتغاضى عن إشراف «الإخوان» أو «السلفيين» على المساجد وعلى بعض الزوايا.
عموماً، فإن «الإخوان» و«السلفيين» يسيطرون سيطرة شبه تامة على المساجد في هذا الشهر، خاصة بتنظيم الإفطارات الجماعية على الاعتكاف، إذ يعتبر رمضان والمناسبات المقامة فيه من أهم مصادر التجنيد لمصلحة الاثنين في المحافظات جميعها، مقابل الصعيد بالنسبة إلى «الجماعة الإسلامية».
كذلك، قررت وزارة الأوقاف ــ بصفتها المسؤولة عن إدارة المساجد ــ منع استخدام مكبرات الصوت في غير الأذان وشعائر صلاة الجمعة، مع الاكتفاء بالسماعات الداخلية للمساجد التي لا تنقل الصوت خارجها، والتزام وقت خطبة الجمعة المحدد من الوزارة بعشرين دقيقة كحد أقصى. وذهبت «الأوقاف» بعيداً في قراراتها وتعليماتها الموجهة لوكلائها في المحافظات، فألزمت مشرفي المساجد وأئمتها بالحصول على الموافقة الكتابية من مديرياتها في حال الرغبة في إقامة أمسية دينية عقب صلاة التراويح، مع التزام المسؤولين بمنع أي شخص لا يحمل ترخيصاً بالخطابة من الوزارة، بإلقاء الخطبة أو الحديث داخل المسجد. ويبدو الموضوع مضحكاً حين تقرر الوزارة تغيير مصابيح الإضاءة العادية بمصابيح «موفّرة»، ومنع قبول أي أطعمة أو أشربة «مجهولة المصدر».
أيضاً ممّا اشترطته الوزارة للسماح لبعض المساجد بتنظيم الاعتكاف تقديم طلبات تشمل اسم المسجد، وعنوانه، ومكان الاعتكاف، وعدد المعتكفين، واسم إمام المسجد (الذي سيكون مسؤولاً عن الجوانب الدعوية والفقهية للاعتكاف)، وكذلك تسمية مسؤول إداري يكون مسؤولاً أمامها عن الجوانب التنظيمية، فضلاً عن تسجيل أسماء الراغبين في الاعتكاف قبل العشرة الأواخر من رمضان بأسبوع كامل. ووفق التوجيهات والشروط، يجب تقديم صورة عن «الرقم القومي» (أهم الأوراق الثبوتية للمصريين)، وكذلك منع غير سكان المنطقة المعروفين من الاعتكاف، بل هددت الوزارة بأنه في حال مخالفة أي من الشروط السابقة، سيعتبر الأمر اجتماعاً خارج الأطر القانونية.
ولم تصدر قرارات الوزارة منفردة، إذ إن يد الأمن حاضرة بقوة في كل المجالات. ونظراً إلى أنّ للاعتكاف ولصلاة التراويح وللتهجد أهمية من حيث كونها اجتماعات للمتدينين، فلا يمكن أن تترك شؤونها لمشايخ الأوقاف وحدهم. ووفق المعلومات المتوافرة، فإن «الأوقاف» نسّقت مع مديريات الأمن في المحافظات لمنع الاعتكاف في مساجد اشتهرت بسيطرة «الإسلاميين» عليها، أو موجودة في محيط اجتماعي وسكني يشكل «الإسلاميون» فيه الثقل الأكبر، وكذلك في بعض المساجد التي لها دلالة عند «الإسلاميين» كمسجد الفتح، الذي شهد محيطه مواجهات دامية بين قوات الأمن والمتظاهرين في أول جمعة بعد فضّ تجمّعي «رابعة العدوية» و«النهضة»، وكذلك مسجد رابعة العدوية ومسجد النور، ومعظم المساجد التي تعدّ نقاط تجمع للمسيرات «الإخوانية» على مدار العامين الماضيين.
خطوات الوزارة، التي رأى أكثر من مصدر أنها تستهدف بالأساس مواجهة الجماعات الإسلامية وفي مقدمتها «الإخوان»، تصبّ في خانة منهجية عمل الدولة التي تستهدف تأميم ومصادرة كل المجالات التي تسمح بتمدد أفكار الجماعات الإسلامية التنظيمية. ومع أنه قد لا يكون الإقبال على التهجد والاعتكاف في معدلاته التي كان عليها قبل صدام الدولة و«الإخوان»، لكنها تعتبر نشاطات ذات طبيعة «دينية ــ اجتماعية» من الصعب قبول جمهور المتدينين الواسع سيطرة الدولة عليه، بل مع قوة القبضة الأمنية واشتدادها سيصبح الخيار الأسلم لهم هو تركها.
في سياق آخر، ألقت، أول من أمس، قوات الأمن المصرية القبض على محمد سعد عليوة، وهو عضو مكتب إرشاد الجماعة، وقد تمت ترقيته ليكون من أعضاء المكتب عقب وصول محمد مرسي إلى الرئاسة والتحاق بعض أعضاء «الإرشاد» بالفريق الرئاسي. وجاء القبض على عليوة، وفق ما قالت مصادر في الجماعة، أثناء ذهابه لتلقّي علاج استلزم خروجه من مكمنه، قبل أن ترصده أعين الأمن. وبذلك، يرتفع عدد المقبوض عليهم من قيادات «الإخوان» خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة إلى أربعة ينتمون إلى مكتب الإرشاد.