بين «حضر» يسيطر عليها الجيش السوري و«حضر» يسيطر عليها تنظيم «القاعدة»، لا شك في أن إسرائيل تفضّل الثانية على الاولى. سيطرة «القاعدة» والمسلحين من الفصائل المختلفة على البلدة، مع تفاهمات ومصالح مشتركة وتبادل خدمات، من شأنها أن تحقق المصلحة الاسرائيلية، وأن تسحب هذه التفاهمات على طول الحدود، بلا أي تهديدات.
وتدرك إسرائيل جيداً، وبالملموس، أن «جبهة النصرة» لا تريد الإضرار بإسرائيل أو تهديد أمنها، بل أيضاً تمنع جهات أخرى من الإضرار بها. والمسألة تتجاوز كونها اتفاقاً وتفاهمات مبرمة، بل التزام صارم ومثالي يحقق المصلحة الاسرائيلية كما أرادتها إسرائيل، حيث بقيت الحدود هادئة في كل القطاعات التي تسيطر عليها «النصرة»، ولم يبق إلا المقطع الشمالي منها، وحضر تحديداً، حيث يسيطر الجيش السوري.
إسقاط حضر، من وجهة نظر المؤسسة الامنية في اسرائيل، هي بشرى سارة، رغم كل ما يصدر عنها من تحذير وتعبير عن الخشية من «المذابح» بحق أهالي البلدة. لكنها تدرك في موازاة ذلك أن لتحقيق المصلحة الامنية في إسقاط حضر ثمناً ينبغي دفعه في الداخل، مع دروز فلسطين المحتلة، الأمر الذي يفسر سلسلة التصريحات والمواقف والتسريبات في الاعلام، حول حماية اللاجئين الدروز والمستشفى الميداني والمنطقة الآمنة للهاربين من البلدة، ممن سيلجأون الى الحدود.
صمود وحدات الجيش السوري وسكان حضر أمام الهجوم الاخير لتنظيم «القاعدة»، قبل أيام، أصاب إسرائيل بخيبة أمل، اذ لم تكن تتوقع صمود البلدة، بل كانت شبه متيقنة من سقوطها وأعدّت العدة لمرحلة ما بعد السقوط. وقد تمظهر ذلك بوضوح في تصريحات المصادر الامنية والسياسية وتقارير الاعلام العبري الذي تناول بالتحليل مرحلة ما بعد السقوط، وكأن نجاح القاعدة وتحقق «المذبحة» تحصيل حاصل.

صمود وحدات الجيش وسكان
حضر أيام إسرائيل بخيبة أمل

مع ذلك لم يلغ صمود حضر أمل إسرائيل بنجاح لاحق لـ«القاعدة». وبحسب تعبير صحيفة «إسرائيل اليوم»، فإن تأكيد ضابط اسرائيلي رفيع أن حضر صامدة وآمنة «حتى الآن»، يتضمن كثيراً من المعاني، وأن المسألة لم تنته بعد. وهذا ما ذهبت اليه صحيفة «هآرتس»، أمس، في الاشارة الى أن المسافة بين «الثوار» والبلدة يعبّر عن حجم الخطر، إذ لا يفصل بين حضر و«المذبحة» إلا مسافة ساعة أو ساعتين، و«مصير البلدة المحاصرة معلق على شعرة».
ولفتت «هآرتس» الى أن «الثوار» لا يتقدمون باتجاه حضر، و«قد يعود ذلك الى وعي الثوار بأن في حضر حملة سلاح كثيرين ينتظمون للدفاع عن عائلاتهم، كما يمكن الافتراض أن التحذيرات الاسرائيلية فعلت فعلها».
وحول الموقف الإسرائيلي، أشارت الصحيفة الى أنّ إسرائيل تسعى الى إيجاد التوازن بين متناقضين: فمن جهة، إسرائيل ملتزمة، قيمياً وعلنياً، بما يسمى «حلف الدم» مع الدروز، ومن جهة أخرى فإن التدخل العسكري في مصلحة الدروز سيكون خروجاً خطيراً عن الخط الحذر والمتماسك الذي اتخذه رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، على مدى أكثر من أربع سنوات من الحرب في سوريا، وبموجبه ينبغي لإسرائيل أن تمتنع قدر الامكان عن التورط في هذا المستنقع.
ورأت الصحيفة أن الرسائل التي تبثها إسرائيل لتهدئة الدروز (في فلسطين المحتلة) لم تحقق غايتها، بل بدأ الدروز يشكون من أن اصطلاح «حلف الدم» كان دوماً سفك الدم الدرزي دفاعاً عن اليهود، ولكن ليس بالضرورة العكس. أما الكلام الصادر عن رئيس الاركان، غادي ايزنكوت، ومصادر عسكرية رفيعة، حول حماية (اللاجئين) الدروز في سوريا على الحدود، فجرى تفسيره كإقرار غير مباشر بأن حضر قد تكون أمام مصيبة قريبة.
وكرّر ضابط رفيع في قيادة المنطقة الشمالية في الجيش الاسرائيلي تأكيده أن إسرائيل لن تسمح للدروز بعبور الحدود، مشيراً الى أن «السوريين ينبغي أن يبقوا في سوريا والإسرائيليين في إسرائيل. من يصل إلى السياج سنفحص ماذا يريد. نحن لن ندخل الناس إلى إسرائيل، وسنقول له إنه مدعوّ إلى العودة من حيت أتى».
ونفى الضابط الانباء التي تحدثت عن استعداد مستشفى ميداني لاستيعاب الجرحى من حضر، وقال «لا نخطط لإقامة مستشفى ميداني، ولا حاجة إلى ذلك». وأضاف «نحن لا نتدخل في القتال في سوريا، وقد تسقط حضر الدرزية بأيدي جهات أخرى، لكن ما علاقة ذلك بنا؟».
مع ذلك، ورداً على سؤال صحيفة «معاريف» حول سيناريو سيطرة المسلحين على البلدة وتنفيذ مجزرة بسكانها، قال الضابط إن «هناك مجموعة من الخيارات، فنحن نبقي جميع خياراتنا مفتوحة. ولا نية لديّ كي أفصّل في ما سوف نقوم به، لأننا نريد أن تبقى الامور ضبابية حول ما سنقوم به في الوقت الحقيقي».
ولفت أمس تقرير في موقع صحيفة «يديعوت أحرونوت» على الانترنت، خلص الى أن الدولة السورية، وأيضاً حزب الله، يدفعان باتجاه التدخل الاسرائيلي العسكري في حضر. وتحت عنوان «هل نحمي الأسد أم الدروز؟»، أشار التقرير الى أن موضوع حضر يأتي في سياق محاولة من الموالين للنظام السوري لدفع إسرائيل كي تهاجم «المتمردين السنّة».
وأشار التقرير الى أن غالبية الاسرائيليين، بمن فيهم الدروز (في فلسطين المحتلة)، لا يعلمون أن أعداء إسرائيل يغرقون إسرائيل والطائفة الدرزية بمعلومات خاطئة مرعبة بواسطة الشبكات الاجتماعية والهواتف الجوالة، ضمن حملة «أنقذوا الدروز السوريين». وأشار التقرير الى أن «جهات التقدير في إسرائيل تلحظ في الأسابيع الأخيرة تياراً من الإشاعات مصدرها سوريا وتنتشر في إسرائيل عن مجزرة جماعية في الظاهر ستُنفّذ أو على وشك التنفيذ من قبل جبهة النصرة و/ أو داعش، ضد تجمعات الدروز في منطقة السويداء وحضر».
مع ذلك، أكد التقرير ضرورة أن تعمل إسرائيل على تفعيل كل الوسائل الممكنة للحؤول دون المجازر بحق الدروز في سوريا، ومن بينها التوجه الى دول المنطقة، وعلى رأسها الاردن وقطر وتركيا، وتطلب منها التدخل لمنع استهداف الدروز، فـ«دول الخليج وتركيا والأردن على علاقة جيدة مع غالبية منظمات المتمردين، بما فيها جبهة النصرة، وهي مرهونة بمساعدات من كافة الأنواع تحصل عليها من دول المحور السنّي المعتدل، ولذلك ستصغي إلى ما يُطلب منها».