لليوم الثالث على التوالي، شهدت أطراف حي جوبر الدمشقي المحاذية لمنطقتي العباسيين والقابون، اشتباكات عنيفة بين الجيش السوري وعدد من الفصائل المسلحة بقيادة «هيئة تحرير الشام» و«فيلق الرحمن». المعارك التي شهدت تقدماً للمسلحين في يومها الأول، وهجوماً مضاداً للجيش أول من أمس، عادت نقاط التماس فيها إلى حالها في اليوم الأول، بعد إطلاق المسلحين للمرحلة الثانية من الهجوم فجر أمس، عبر تفجير انتحاري بسيارة مفخخة في منطقة المعامل، تلته اشتباكات عنيفة على جبهتي القابون وجوبر بالتوازي.
وتمكنت الفصائل المسلحة في خلال ساعات الهجوم الأولى من السيطرة على «معمل الغزل» عند أطراف حي جوبر الشمالية الغربية، فيما صدّ الجيش السوري الهجمات على محاور معامل «كراش» و«سيرونيكس» وشركة الكهرباء، بالتوازي مع غارات جوية لسلاح الجو واستهداف مدفعي لنقاط المسلحين في عمق الحي. وترافقت المعارك مع حملة واسعة على وسائل الإعلام التواصل الاجتماعي، سوّقت مجدداً فكرة دخول المسلحين إلى أحياء العاصمة دمشق. وأسهمت سيطرة المسلحين على «معمل الغزل» التي مكنتهم من استهداف منازل منطقة فارس الخوري برصاص القنص والقذائف، في تعزيز حالة القلق التي شهدتها الأحياء المجاورة لخطوط الاشتباك.

أكد «جيش الإسلام» استعداده
لإرسال مؤازرة إلى جبهة جوبر

وفي المقابل، قامت قوات الجيش باستهداف مكثف لنقاط المسلحين في حي القابون، بعد نشاط موازٍ للمسلحين من داخل الحي وقصفهم بعدد كبير من القذائف الصاروخية منطقة العباسيين والأحياء القريبة. وأدى سقوط القذائف الصاروخية على أحياء مساكن برزة وحيّ الشاغور إلى إصابة 15 شخصاً بجروح. كذلك، سقطت عدة قذائف صاروخية على عدد من أحياء مدينة جرمانا في ريف دمشق، مخلفة أضراراً مادية.
ومع استقدام الجيش لتعزيزات كبيرة مدعومة بقوات حليفة إلى خطوط الدفاع في المنطقة، وعزمه على منع المسلحين من كسر حصار القابون المفروض، تشير مصادر مطلعة إلى أن استمرار التوتر في جوبر، من شأنه أن يسرّع العملية العسكرية في برزة والقابون، خاصة مع انخراط مسلحي الحيين بشكل فاعل في اشتباكات الأيام الأخيرة.
وبعيداً عن العاصمة دمشق، بدأ عدد من الفصائل هجوماً جديداً في ريف حماة الشمالي، على محاور بلدات صوران ومعردس وخطاب ومعان، انطلاقاً من بلدة طيبة الإمام والمناطق المجاورة لها. ومهّدت الفصائل المشاركة في الهجوم، وعلى رأسها «هيئة تحرير الشام» و«جيش العزة» و«جيش النصر»، بتفجير انتحاري بسيارة مفخخة في محيط بلدة صوران، تبعها تفجير انتحاري لنفسه قرب منطقة «معمل البواري» المجاور للبلدة. كذلك، استهدف الهجوم بلدات قمحانة ومعردس ومعان، وأعلنت الفصائل أنها استهدفت مطار حماة العسكري بصواريخ «غراد».
وبالتوازي، استهدف سلاحا الجو والطيران في الجيش مواقع الفصائل المسلحة في بلدات طيبة الإمام واللطامنة وكفرزيتا ومورك ولحايا. وأكد مصدر عسكري أن قوات الجيش صدت الهجوم، نافياً ما تناقلته مصادر مقربة من المسلحين عن انسحاب قوات الجيش من بلدت صوران ومعردس.
وبدا لافتاً في هجوم الفصائل المسلحة شمال حماة، والمسمى «وقل اعملوا»، نشر حسابات عدد من المقربين من «هيئة تحرير الشام» على مواقع التواصل الاجتماعي، صوراً لقائد «الهيئة» أبو جابر الشيخ، بصحبة الداعية السعودي عبد الله المحيسني، قالت إنها في ريف حماة الشمالي في خلال جولة «تحريض للمجاهدين». وتشير معطيات الساعات الأولى للهجوم إلى احتمال توسع خطوط التماس لتشمل البلدات القريبة مثل محردة، وقرى الريف الشمالي الغربي على محور جورين.
وتعكس عودة ريف حماة الشمالي إلى واجهة الاشتباكات، بعد أشهر على فشل «غزوة مروان حديد»، وبالتوازي مع اشتعال جبهة جوبر في دمشق وقبلها المنشية في درعا، محاولات «هيئة تحرير الشام» لإثبات وجودها وقدرتها على أوسع مساحة من جبهات الميدان السوري. وهو ما برز من خلال حجم الضخ الإعلامي الذي ترافق مع كل تلك المعارك، من دون تحقيق خروقات حقيقية على الأرض. وقد يكون الإنجاز الوحيد الذي كسبته «الهيئة» بشكل فعلي، هو جرّ فصائل المعارضة المسلحة التي كانت قد بدأت تندرج ضمن إطار التسوية على طاولة المحادثات في أستانة، إلى الميدان مجدداً. وهو ما لا بد أن ينعكس بدوره على مشهد الأيام المقبلة، وسيتيح للجيش توسيع استهدافه لتلك الفصائل المتحالفة مع «هيئة تحرير الشام» المصنفة إرهابية.
وبدا انسياق المعارضة إلى معارك «الهيئة» واضحاً في الميدان كما في التصريحات الإعلامية، إذ أثنى رئيس وفد الفصائل المعارضة إلى محادثات أستانة، محمد علوش، على العملية العسكرية التي أطلقتها الفصائل في أطراف جوبر، مشيراً إلى استعداد «جيش الإسلام» الذي يرأس مكتبه السياسي، لـ«إرسال المؤازرات» إلى تلك الجبهة.
ومن المرجح أن اندفاع المعارضة المسلحة عكس مسار وقف إطلاق النار وجهود أستانة، سوف يلقى تبعات من الجانب الروسي، قد تظهر خلال الجولات المقبلة، وعلى الأرض في بعض الجبهات. وفي تعليق على الاشتباكات في محيط دمشق، قال نائب وزير الخارجية الروسية ميخائيل بوغدانوف، إن اتفاق وقف إطلاق النار لا يزال قائماً، مضيفاً أن «هناك انتهاكات من قبل أصحاب المصلحة في تقويض جهود التوصل إلى حل سلمي، ويراهنون على حل عسكري وإسقاط النظام خارج الشرعية الدولية».