لم تنته الثورة الشعبية في البحرين بدخول قوات درع الجزيرة قبيل منتصف آذار ٢٠١١، ولن تنتهي الثورة الشعبية بالحكم على زعيم المعارضة الأمين العام لجمعية الوفاق علي سلمان بالسجن لمدة أربع سنين.المشكلة في من يرون أن ثمن الحكم على زعيم المعارضة البحرينية هو ثمن بخس، وهؤلاء بالطبع من السادة الشقر الذين يرسمون حاضر أمتنا وبلادنا، فلولا تقارير هؤلاء «الخبراء» التي تؤكد أنه لا ثمن لاعتقال زعيم المعارضة وإصدار حكم قاس ضده، لما كان للقاضي أن ينطق بحكمه بسجن سلمان لمدة أربع سنوات خلف القضبان. السؤال: هل لما حدث أمس في البحرين ثمن؟

الأزمة في البحرين واضحة، الطرف المطالب بحق الشعب في أن يكون مصدر القرار، وأهم هذه الحقوق هو تشكيل الحكومة عبر انتخابات عادلة تسمح للقوى السياسية التي انتُخبت بتكوين السلطة التنفيذية، مع وجود برلمان منتخب بالكامل ويملك الصلاحية في محاسبة الحكومة وإسقاطها إن عجزت عن تنفيذ البرنامج الذي تعهدت به أمام ممثلي الشعب.
من يؤيدون هذه المطالب هم غالبية شعب البحرين، العائلة الحاكمة «آل خليفة» ومن معها في الداخل الذين يرفضون هذه المطالب هم الأقلية، لكن هذه الأقلية مدعومة بكل الأجهزة الأمنية في البلاد، وبكل الأجهزة الأمنية والجيوش في دول مجلس التعاون، وبدعم بريطاني علني وكامل، وبدعم أميركي أيضاً، لهذا السبب وصلت الأمور لحد المأساة، فقد أوقعت هذه القوى مجتمعة بشعب البحرين في شطره الغالب المطالب بالتغيير الديموقراطي كافة أنواع القمع والألم، وصار لهذا الشعب الصغير لاجئون بالمئات في شتى بقاع العالم من النرويج حتى نيوزيلندا وأوستراليا.
البحرين وقعت في جغرافيا سياسية سيئة للغاية، بلد صغير لا يبلغ عدد مواطنيه ٧٠٠ ألف نسمة يحملون ثنائية مذهبية حسّاسة، ويجاورون بلدين عملاقين السعودية وإيران، وهما بلدان يتصارعان في كل شيء وعلى كل شيء. لذلك كان الاستقطاب، وكان بعض الخليجيين يتحدثون بفخر عن الرسائل التي توجّه لإيران عبر أجساد البحرينيين ومصيرهم الذي يلاقونه كل يوم.
حسناً هذه هي الصورة بعد نحو ٤ سنوات من انطلاق «ثورة اللؤلؤة» في ١٤ شباط ٢٠١١، موقف العائلة الحاكمة في البحرين وحلفائها الخليجيين والعرب واضح ومعروف، خلاصته: لا ترحم.
لكن ماذا عن الغرب الذي كانت له اليد الطولى دائماً في توجيه الأحداث في هذا البلد الصغير؟
الموقفان الأميركي والبريطاني، مبنيان على رؤية تلاحظ الأنظمة الخليجية بأكملها كجهة واحدة، وكقطعة عقار تدرّ نفطاً ومليارات الدولارات، ورغبة شراء جامحة لكل ما هو أميركي وبريطاني، خاصةً السلاح، وإرادة سياسية طيّعة، ومنطقة تشبه المنصّة لإنشاء قواعد عسكرية للتحكم في هذا الجزء المهم من العالم.
عمى المصالح والنفط خصوصاً، لا يتركان لواضعي السياسات الغربية مجالاً للتفكير في أن البحرين وكل بلاد عربية تشهد ثورة وطنية حقيقية هي بمثابة قنبلة موقوتة، تشبه إسبانيا قبل الحرب العالمية الثانية، فبعد فوز جناح الجمهوريين بالانتخابات وتشكيل حكومة منتخبة تحت قيادة مانويل أزانا، تمرد العسكريون بقيادة الجنرال فرانشيسكو فرانكو، الذي دعمته بالجنود والسلاح كل من: ألمانيا النازية، وإيطاليا الفاشية آنذاك.
استمرت الحرب ثلاث سنين فقط، وحصدت آلاف القتلى، وبالرجوع للمواقف السياسية آنذاك نجد أن جناح الجمهوريين الذين فازوا بالانتخابات لم يدعمهم سوى الاتحاد السوفياتي والمكسيك، ودخل آلاف المتطوعين من أنحاء العالم والكتائب العسكرية الخارجية لمساندة المعسكرين المتحاربين في إسبانيا. هل يذكّركم هذا بشيء مما يجري في المنطقة كلها؟
أما أهم دولتين تمتلكان نظاماً ديموقراطياً في أوروبا، وهما فرنسا وبريطانيا، فقد اتبعتا سياسة الحياد وعدم التدخل في الحرب الأهلية الإسبانية، وكان ثمن ذلك باهظاً جداً، إذ بقي الجنرال فرانكو يحكم إسبانيا لمدة طويلة، وتعملق المحور النازي والفاشي ونما في أوروبا، وأسهم ذلك في اندلاع الحرب العالمية الثانية. ودفعت الدول التي تمتلك أنظمة ديموقراطية ملايين الأرواح للخلاص من هتلر وحلفائه. فهل من متعظ؟
اليوم، في ظل ارتفاع حدة المطالبات داخل الدول العربية، ومنها البحرين، بالتغيير الديموقراطي، يبدو الموقف الغربي أسوأ مما كان عليه في إسبانيا، فهو إما داعم للاستبداد المطلق، أو متحالف ضمني مع «القاعدة» وملحقاتها.
للتذكير، إن أهم رجلين في وزارة الداخلية البحرينية، هما المستشار الأميركي جون تيموني، والمستشار البريطاني جون بيتس. هكذا تتكرر الأخطاء وتكبر، فالغرب ينظر إلى شعب البحرين على أنه شعب صغير ووحيد، ولن يصرخ لأجله أحد في هذا العالم، للدلالة على ذلك فإن سفير دولة أوروبية كبيرة قال لناشط حقوقي كبير قبل أسابيع قليلة بعد الحديث عن ردود الفعل المحتملة حال الحكم على علي سلمان، كان رد الوزير عميقاً في إظهار الاستهانة والاستحقار للشعب البحريني، كان رده «شهر رمضان قادم، والكل سينشغل بالصيام وسينسون الحكم على علي سلمان»!
هذه هي خلاصة الموقف الغربي المستهين تماماً بحقوق الشعب البحريني ووعيه، بشهدائه وقادته، وبسجنائه الذين قاربوا الألفي سجين في بلد صغير جداً.
ربما كان من الأفضل التذكير، إلى أنه بعد انتصار فرانكو في عام ١٩٣٩، وتحديداً شهر نيسان، لم يكد يحلّ شهر أيلول من ذلك العام الرهيب إلا كانت الحرب العالمية بدأت في أكل كل شيء. الحرب الأهلية الإسبانية كلفت ٥٠٠ ألف قتيل من الطرفين، لكن الحرب العالمية الثانية سبّبت مقتل ما بين ٥٠ إلى ٨٥ مليون قتيل.
هل هناك حاجة لإجراء تحليل لمعرفة الطرف الذي يدعم الجناح الاستبدادي في طول المنطقة وعرضها الآن، من الطرف الذي تلاقت مصالحه مع «القاعدة» من حضرموت حتى إدلب؟
فعلاً لماذا ينتقدون أدولف هتلر؟!
* كاتب بحريني