طوال أربع سنوات، كان الأمين العام لجمعية الوفاق، علي سلمان، الوجه الصارخ للحراك في البحرين. سلمان المولود في عام 1965 في قرية البلاد القديم الواقعة قريباً من العاصمة المنامة، لم يكن يعبأ بالسياسة رغم نشوئه بين عائلة لها اهتماماتها السياسية. كانت لعبة كرة القدم أول اهتمامات صباه. ترأس حينها فريق كرة القدم الخاص بحيّهم. في عام 1982 التحق سلمان بجامعة الرياض، متخصصاً في علم الرياضيات، وبقيت الكرة أول اهتماماته حتى في المرحلة الجامعية حتى عام 1985، الذي شهد تغييراً كبيراً في حياة سلمان.
كانت المرة الأولى التي يخرج فيها من قريته متجهاً للمشاركة في عزاء اليوم الحادي عشر من محرم في قرية الدراز، وقد منعته السلطة من ذلك. تواجه قوات الأمن العزاء بالغازات المسيلة للدموع وتعتقل بعض المشاركين. تلتهب الأحداث ويدخل وقت الصلاة ويؤم المصلين الشيخ عيسى قاسم، ثم يخطب فيهم عن «أهداف الإنسان المؤمن في الحياة». تكون هذه الخطبة بداية تغيير مسار سلمان وتوجهاته وأهدافه في الحياة، ليترك بعدها دراسته الجامعية ويلتحق بالدراسة الدينية في الحوزة الدينية في إيران عام 1987.
عاد سلمان إلى البحرين في عام 1992، لقضاء فترة إجازة في البلاد قبل أن يعود لإكمال دراسته في الحوزة، لكن ما لم يكن يحسبه سلمان هو قرار الشيخ عيسى قاسم بالسفر إلى قم لإكمال دراسته الدينية، وما ترتب عليه اختيار سلمان ليؤم المصلين في مسجد الخواجة مكانه، كذلك جامع الدراز، ليجد نفسه خطيباً وإماماً للصلاة. وبعد عودة عيسى قاسم ومع الانفراجة السياسية التزم إمامة المصلين في مسجد الصادق في منطقة القفول في المنامة.
ومع تصاعد وتيرة الأحداث السياسية في البحرين مع انتفاضة 1994 التي قادتها القوى اليسارية والليبرالية والإسلامية، تأزمت الأوضاع السياسية في البلاد كثيراً واعتُقل سلمان إثر نشاطه السياسي، وقد كان ممن شاركوا في العريضة النخبوية عام 1992، ثم من بين الذين تبنوا العريضة الشعبية في منتصف عام 1994. واعتُقل أكثر من مرة بين عامي 1993 و1994 ومن ثم أُبعد إلى الإمارات العربية المتحدة في 1995، ومنها انتقل إلى لندن في 1995. عاد سلمان إلى البحرين عام 2001 بعد طرح مشروع الميثاق الوطني، واصدار الملك خليفة عفواً شاملاً عن المساجين وعودة المبعدين، ووعد المواطنين بعودة الحياة النيابية من جديد.
بعد عودته من بريطانيا في عام 2001، شارك سلمان في تأسيس جمعية «الوفاق الوطني الإسلامي» كأول جمعية سياسية تمثل «التيار الشيعي» الواسع وتعمل علناً وبشكل قانوني، وانتخب أميناً عاماً لها حتى اليوم.
قاطع - كما هو موقف «الوفاق» - انتخابات المجلس النيابي في عام 2002، بعد أن أصدر الملك في ١٤ شباط 2001 دستوراً جديداً غير فيه هيكيلة السلطة التشريعية وجعلها عملياً نصف منتخبة والنصف الآخر معيّن. مرت ٤ سنوات عجاف لم يتغير فيها شيء، حتى جاء عام 2006، وقررت «الوفاق» المشاركة في الحياة السياسية والمشاركة في انتخابات 2006، وكان سلمان على رأس قائمة مرشحي الجمعية التي فازت في الانتخابات وشكلت أكبر كتلة نيابية ضمّت ثمانية عشر نائباً.
مع اندلاع «ثورة اللؤلؤة» في البحرين في 14 شباط 2011، وقدمت كتلة «الوفاق» البرلمانية انسحابها من المجلس النيابي بعد تعثر جهودها لإيقاف قتل المواطنين على أيدي منتسبي الأجهزة الأمنية والعسكرية، وفي 18 آب 2011 أعلنت كتلة «الوفاق» استقالتها من المجلس النيابي على إثر مقتل المتظاهرين في دوار اللؤلؤة.
كان خطاب سلمان في دوار اللؤلؤة أول اعلان عن رغبة البحرينين في التحوّل لمملكة دستورية، يحق فيها للشعب انتخاب حكومته، وانتخاب مجلس نيابي منتخب بالكامل وبصلاحيات واسعة، وطالب بقانون انتخابي جديد، وأعلن أن كل ذلك يمرّ عبر مجلس تأسيس منتخب يضع دستوراً جديداً للبلاد.
ومع فرض النظام الرسمي حالة الطوارئ وما تبعه من إدخال الجيوش الخليجية تحت ستار قوات درع الجزيرة، بدأت مرحلة من القمع الرهيب بغطاء غربي، كان أهم ما عمله سلمان هو عدم تقديمه أي تنازل خلال هذه الفترة العصيبة. احتفظ بسقف المطالب، حتى انتهاء حالة الطوارئ، حتى عاد في حزيران 2011 في أول تجمع للمعارضة في منطقة سار ليسرد نفس المطالب التي أعلنها تحت اللؤلؤة البيضاء التي ظللت جميع البحرينيين عند الدوار الذي هُدم.
في كانون الثاني 2012 تصدّر سلمان مسيرة سلمية خرجت رغم منع وزارة الداخلية، فأُطلقت رصاصة مطاطية من مسافة قريبة تجاه رأسه تلقاها بدلاً منه رأس الشاب علي المولاني الذي كان يحمي سلمان بجسده، وسجلت هذه أول محاولة علنية لقتل الأمين العام لـ«الوفاق» من قبل قوات النظام.
وفي كانون الثاني 2014، ظهر سلمان مع ولي العهد سلمان بن حمد آل خليفة في لقاء علني، أُعلن خلاله إجراء حوار جديد سيرأسه ولي العهد مع المعارضة لأجل حل الأزمة. لم يتبين أن هناك حواراً، فبعد لقاء ولي العهد، جلست المعارضة مع وزير الديوان الملكي خالد بن أحمد، الرجل الأقوى في النظام بعد الملك، استمع إلى كلام المعارضة وتركهم شهوراً طويلة، ثم بعث لهم ورقة بيضاء غير رسمية يعلمهم فيها بالسقف الذي يقبله النظام، وهو: عودة المعارضة للمجلس النيابي على ما هو عليه ودون تغيير. رفضت المعارضة وقررت مقاطعة الانتخابات التي تم قبلها تهديد جمعية «الوفاق» بالعقاب إن لم تدخل في الانتخابات.
في كانون الثاني من العام الجاري، اعتُقل سلمان بعد فترة وجيزة من تشكيل المجلس النيابي الجديد واختيار الملك لأعضاء مجلس الشورى، اختفى سلمان عن الساحة، لم تفلح كل المحاولات في اقناع النظام بإطلاق سراحه، ويوم الثلاثاء 16 آذار، التقى سلمان برفقاء دربه القادة في سجن جوّ المركزي، احتضنه رفقاؤه وبكى بعضهم، أما هو فكما قالوا كان هادئاً مبتسماً.
لقد مضى الأصعب، وما زالت المطالب التي تحدث به تحت اللؤلؤة البيضاء في يده بيضاء تسرّ الناظرين، ملكية دستورية، حكومة منتخبة، برلمان كامل الصلاحيات، نظام انتخابي عادل، وأجهزة أمنية يشارك بها جميع المواطنين.