تناول تقرير «مراقب الدولة» في إسرائيل، القاضي المتقاعد يوسف شابيرا، كيفية صناعة القرارات في المجلس الوزاري المصغر، قبل عدوان «الجرف الصامد» على غزة وفي بدايته، عام 2014، وأيضاً مشكلة معالجة تهديد الأنفاق الهجومية في القطاع خلال العملية، ومسألة إعداد الرد الاستخباري والتكنولوجي والعملاني لمعالجة هذا التهديد في السنوات التي سبقت، لكن من دون أن يتناول الإدارة التفصيلية للعملية العسكرية، أو نتائجها.
انتقد التقرير حكومة بنيامين نتنياهو ووزراءها آنذاك، كونها لم تعقد جلسات لفحص بدائل سياسية تمنع نشوب الحرب. وعندما عقد المجلس الوزاري المصغر جلسة مباحثات استراتيجية تتصل بقطاع غزة، تناول قضايا عسكرية فقط، وراجع بدائل محدودة تتصل بدرجات شدة العمل العسكري فقط. هذا الواقع دفع الجيش إلى تحديد الأهداف الاستراتيجية للمعركة بنفسه، كي يبلور في ضوئها خططه العملانية، وليس بالاستناد إلى أهداف المستوى السياسي.
واقتبس التقرير عن وزير الأمن آنذاك موشيه يعلون، في ثلاثة مواضع، إقراره بأنه «كان من المحتمل منع الحرب لو أن إسرائيل وفّرت رداً على الأزمة التي يواجهها القطاع»، كذلك رأى تقرير شابيرا أن الرفض التام للبدائل السياسية، التي لم تقدم أمام «المجلس»، منع أعضاءه من دراسة هذه البدائل ومناقشة فرصها ومخاطرها، علماً بأن نتنياهو كان قد أكد لـ«مراقب الدولة» أنه لم يكن هناك أيّ بديل سياسي حقيقي في ما يتعلق بغزة، لذلك لم يناقش أي بديل في المجلس.
في المقابل، انتقد التقرير يعلون كونه المسؤول عن الجيش، وأيضاً عن جهاز تنسيق النشاطات في المناطق المحتلة، الذي يعرف الوضع الإنساني في غزة وإمكان أن يؤدي ذلك إلى تصعيد. ومع ذلك، لم يبادر إلى طرح نقاش حوله في المجلس المصغر.

تراجع العدو عن التصعيد بعد
تحذير المقاومة
من ردّ قريب
كذلك أكد أن الوزراء لم يتلقوا خلال الجلسات التي سبقت العدوان معلومات ضرورية من أجل اتخاذ قرارات صائبة، مثل هجمات كانت ستنطلق من غزة، ولا تلك التي تتعلق بالقيود التي تحول دون توجيه ضربات جوية، رغم توافر هذه المعلومات لدى رئيس الحكومة ووزير الأمن، وأيضاً رئيس الأركان بني غانتس وقادة الأجهزة الاستخبارية.
التقرير أقرّ في جانب متصل بأن تهديد الأنفاق، الذي وصفه نتنياهو ويعلون بأنه «استراتيجي وفي غاية الخطورة»، لم يعرض بالتفصيل أمام الكابينت، بل تم الاكتفاء بتصريحات عامة وقليلة وغير كافية لشرح خطورة التهديد وحجمه لباقي الوزراء. في المقابل، انتقد التقرير الوزراء لأنهم لم يُظهروا اهتماماً بالموضوع ولم يطلبوا الحصول على معلومات أوسع بخصوص ذلك التهديد، ولم يطلبوا من الجيش أن يعرض عليهم استعداداته للتعاطي مع هذا التهديد.
على خط مواز، انتقد التقرير الثلاثي نتنياهو ويعلون وغانتس، لأنهم لم يتحققوا من وجود خطط عملية لدى الجيش للقتال في محيط مُشبع بالأنفاق ولمواجهتها، وهو أمر كان ضرورياً من أجل الاستعداد بما يتلاءم. بعبارة أخرى، لم يكن هناك نظرية قتالية جاهزة لمواجهة الأنفاق، رغم أن الأجهزة الأمنية تعلم بوجودها، بل وُصفت الأنفاق في 2013 بأنها تهديد استراتيجي. مع ذلك، لم تبذل جهود كافية لمواجهة هذا التهديد، وحتى عندما بذلت جهود في هذا الاتجاه كانت متأخرة ولم تف بالحاجة.
أما في مسألة تشكيل القوة وإعداد خطط عملية، تم العثور على نواقص جوهرية في جاهزية الجيش، وذلك بسبب غياب مفاهيم عملية على مستوى هيئة الأركان وفقدان مناهج عمل في وحدات الجيش وأذرعه المختلفة قبل بداية العملية العسكرية، بسبب نقص التدريب ونقص التزود بالآليات الحربية اللازمة لمواجهة الأنفاق، وكذلك بسبب غياب خطط عملية للقتال في محيط تكثر فيه الأنفاق وخطط للتعامل معها أثناء القتال، ثم بسبب قلة جاهزية سلاح الجو والفضاء لمعالجة هذا التهديد؛ كل هذه المعطيات أجبرت القوات البرية والجوية على التعاطي مع تهديد الأنفاق بارتجالية خلال العملية من دون أن تستعد لذلك.
وتبيّن من التحقيق أنه لم يتم تعزيز المقومات الأمنية في البلدات المحيطة بغزة خلال المرحلة التي سبقت العملية، بل تم تقليص تلك المقومات بما فيها حجم القوات المخصصة لحماية الجبهة الداخلية. وازدادت خطورة الأمر إزاء القدرة المحدودة التي توافرت للجيش قبل العملية للكشف عن الأنفاق الهجومية التي اخترقت الأراضي المحتلة قدوماً من قطاع غزة.
على المستوى التكنولوجي، رأى التقرير أن «هيئات البحث والتطوير» في الجيش تعاملت مع تهديد الأنفاق بوتيرة لم تتوافق مع تنامي التهديد والمتطلبات العملية، ولم يكن هناك التفات كافٍ للمجالات المركزية في التعاطي مع التهديد، وفي ظل إشراف غير سليم من هيئة الأركان العامة.
وفق التقرير نفسه، كان هناك هيمنة تامة تقريباً لاقتراحات الجيش، خاصة أن «هيئة الأمن القومي لم تؤدّ دورها المحدد في القانون، وهو تقديم بدائل تشكل ثقلاً مضاداً للمؤسسة الأمنية، وتسمح للوزراء بفهم المشكلات بصورة أوسع». كذلك نقل التقرير أن الهيئة قدمت في 23 آذار 2014 ثلاثة بدائل كانت كلها أيضاً عسكرية.
في غضون ذلك، وبينما كان العدو يتحدث عن سقوط صاروخ أو صواريخ من غزة على النقب المحتل، وردّ على ذلك بقصف غزة، أعلن المتحدث باسم «كتائب القسام»، الذراع العسكرية لـ«حركة المقاومة الإسلامية ــ حماس»، أن «العدو لا يفهم سوى لغة القوة، والسكوت أحياناً يفسّر من العدو على أنه ضعف». ورداً على سلسلة الغارات، قال أبو عبيدة، «أي عدوان قادم على غرار ما حدث بالأمس (الاثنين) سيكون للمقاومة، وعلى رأسها كتائب القسام، كلمتها فيه». وبعد ذلك، أعلنت وسائل إعلام العدو أن خللاً أدى إلى إطلاق صفارات الإنذار وليس سقوط صواريخ.