لم تنه إسرائيل رواية «المجازر» بحق البلدات الدرزية في سوريا، وواصلت تهويلها وحثّها على «الأمن الذاتي» بعيداً عن الجيش السوري وبتفاهم مع المسلحين. إلا أنّ آخر ما تحدثت عنه تل أبيب، هو «مبادرة طموحة» لبناء جيش درزي من 100 ألف مقاتل، بتسليح وتدريب من الأميركيين.
تصر إسرائيل على «المذبحة» المقبلة، بل وتجادل نفسها حول تداعياتها وحول اليوم الذي يليها. وصحيح أن الدعاية الإسرائيلية استطاعت أن تتسبب بـ«غليان» في بلدات الجليل ذات الأغلبية الدرزية، ودفع القيادات الدرزية في فلسطين المحتلة الى التعبير عن هذا الغليان بمسيرات وجمع أموال وتسجيل أسماء متطوعين للقتال دفاعاً عن الدروز السوريين، إلا أن كل هذه الرواية وما تسببت به لا يغيران من الواقع الميداني شيئاً.
والمفارقة التي من شأنها أن توضح الأسباب والنتيجة، فإن معظم أصحاب «الغليان» ومتسببيه من دروز فلسطين المحتلة، هم صهاينة ينافسون اليهود على صهيونيتهم، مثل نائب وزير التعاون الإقليمي في الحكومة الإسرائيلية، أيوب قره، الذي يرفض أن يوصّف عربياً، وغيره من قيادات درزية واضحة الانتماء، لبّت «نداء الواجب الصهيوني»، وتناغمت مع حملة التهويل الإسرائيلية وطرقت أبواب السفارات الغربية في تل أبيب، طلباً للإغاثة والمساندة والحؤول دون «المذبحة المقبلة».

هرتسوغ: لتشكيل جبهة إقليمية لمواجهة التطورات في سوريا

إلا أن اللافت أمس كان تأكيداً ونفياً للتأكيد، على لسان نائبة وزير الخارجية الإسرائيلي، تسيبي حوطوبلي، التي أشارت في حديث إلى الإذاعة العبرية عن «التزام أخلاقي عميق» تجاه الطائفة الدرزية، وقالت في تصريح هو الأول من نوعه إن «إسرائيل تدرس إمكان استيعاب مواطنين من دروز سوريا، في حال أصبحت حياتهم في خطر».
مع ذلك، وبعد ساعتين فقط، عادت الإذاعة العبرية ونشرت نفياً لخبر استيعاب الدروز السوريين، ونقلت الإذاعة عن حوطوبلي قولها إن إسرائيل لن تتدخل في الحرب بغرض مساعدة سكانها الدروز المهددين من الفصائل المتشددة، رغم إقرارها، تضيف الإذاعة، بتعاطف إسرائيل مع الدروز وإصغائها إلى همومهم.
ولفت أمس أيضاً، العمل على تثقيل المرحلة الثانية من المخطط الإسرائيلي في أعقاب مرحلة التهويل التي ما زالت مستمرة، وذلك عبر الكشف عن لقاءات ومداولات وخطط موضوعة، لسلخ البلدات السورية الدرزية عن الجيش وتزويدها بالسلاح الأميركي عبر الأردن، تمهيداً لإقامة منطقة «حماية درزية ذاتية» مع نسج تفاهمات وعلاقات طيبة مع الفصائل المسلحة التي تنشط في الجنوب السوري.
وأشارت صحيفة «معاريف» الى وجود مبادرة طموحة حول تشكيل «جيش درزي» قوامه 100 ألف مقاتل، يقوده ضابط درزي خدم في الجيش السوري، و«أما السلاح الثقيل والتدريب فستوفرهما الولايات المتحدة من خلال الأردن. ويمكن التقدير بأن إسرائيل على علم بهذه الخطوات، وتنسق مع الولايات المتحدة». ورغم أن تقرير «معاريف» «الاستخباري» لم يسأل كيف لمنطقة السويداء القادرة على تشكيل «الجيش الدرزي من 100 ألف مقاتل» أن تسقط بأيدي المتوحشين الساعين الى المجازر بحق الدروز، إلا أنه عاد ليؤكد (التقرير) على هذه المجازر، وتحديداً المرحلة التي ستليها، إذ أشارت الصحيفة الى أن المؤسسة الأمنية في إسرائيل تستعد لـ«سيناريو طوارئ»، بأن تضطر الى استيعاب وحماية عشرات الآلاف من اللاجئين الدروز، ممن سيصلون الى مناطق في الجولان (المحتل).
وضمن السياق نفسه، وتسويقاً للأمن الذاتي للبلدات الدرزية بعيداً عن الجيش السوري، أشارت صحيفة «إسرائيل اليوم»، المقربة من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، إلى أنّ «الدروز بقوا وحدهم في مواجهة تنظيمي داعش والنصرة! إلا أنهم طائفة معروفة باتحادها واستعدادها للقتال في مواجهة كل عدو، ومع ذلك فإن الدروز بحاجة الى المساعدة لمواجهة مقاتلي داعش والنصرة، الذين يحيطون بهم من كل الاتجاهات».
إلا أن إسرائيل الرسمية، بحسب صحيفة «هآرتس»، كانت قد أوضحت لممثلي الطائفة الدرزية (في فلسطين المحتلة) أن تقديم المساعدة العسكرية لدروز سوريا سيعدّ تدخلاً في «الحرب الأهلية»، وهو أمر ترفضه إسرائيل، إذ من شأنه أن يورطها بالمعارك الدائرة هناك. وكشفت الصحيفة أن إسرائيل تفضل مساعدة الدروز السوريين عن طريق حليفتها الأميركية، إذ توجّهت إلى القيادة الأمنية في الولايات المتحدة من أجل تقديم المساعدة العسكرية للبلدات الدرزية في سوريا. وأعرب رئيس المعارضة في الكنيست، ورئيس «المعسكر الصهيوني»، يتسحاق هرتسوغ، عن «قلقه من أوضاع أبناء الطائفة الدرزية في سوريا»، مشيراً الى ضرورة إيجاد حل لـ«قضية الدروز» في سوريا، وتقديم مساعدات إنسانية والأخذ بعين الاعتبار احتمال تدهور الأوضاع. ودعا الى تشكيل جبهة إقليمية تتألف من «الدول العربية المعتدلة» وتركيا والحلف الأطلسي، لمواجهة التطورات في سوريا.