انقسمت تعليقات الصحف الإسرائيلية أمس حول مؤتمر القمة الذي جمع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في البيت الأبيض. وفيما ذهب البعض إلى التهليل لترامب وتمجيد صداقته الحقيقية لإسرائيل، تساءل البعض الآخر عن مدى إدراكه لطبيعة الصراع في المنطقة وواقعية سياسته المعلنة حيال ذلك. وبين الاثنين، دعا بعض ثالث إلى التريث وعدم استخلاص أحكام نهائية، سلبية أو إيجابية، بشأن ترامب، خصوصاً أن تاريخ الرجل يشهد على تقلّباته وارتجالاته.
وتحت عنوان "ترامب جيّد لليهود"، كتب بوعاز بيسموط في "إسرائيل اليوم" أنه "إذا كان لا يزال أحد يشك في أن دونالد ترامب جيّد لإسرائيل، فقد جاء المؤتمر الصحافي في البيت الأبيض ليثبت أن ترامب جيد لليهود... فالمؤتمر الصحافي المشترك الذي عقده الرئيس الأميركي ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، كان كالمنعطف عن كل ما سمعناه، عرفناه، استوعبناه ومضغناه (لكننا لم نهضمه) منذ عدة عقود". وأوضح بيسموط ما يعنيه قائلاً: "فكرة الدولتين كخيار وحيد للسلام، خريطة الطريق، المفاوضات المتعددة الأطراف، المبادرات الدولية، التهديد بالعقوبات ضد إسرائيل، إصبع الاتهام للمستوطنات، هذه كلها أصبحت بكل بساطة غير ذات صلة، أو ثانوية على الغالب". يضيف الكاتب "ليست سنوات أوباما الثماني فقط قد تحولت الى تاريخ، بل حتى عهد كلينتون بات يبدو قديماً ولا ينتمي الى الحاضر. لقد سلّم ترامب اتفاقات أوسلو ومبادرات السلام لعلماء الآثار. إدارة ترامب تعمل على صيغة جديدة، من المؤكد أنها لن تعجب اليسار الاسرائيلي، ولكن يجب الانتظار أيضاً، لرؤية مدى ملاءمتها لرغبات اليمين".
وخلص الكاتب إلى أنه "كان هناك من خرجوا من المؤتمر الصحافي (أول من أمس) وقالوا إن ترامب لا يفهم، ولا يملك تصوراً بشأن الصراع الاسرائيلي ــ الفلسطيني. لكن ترامب يريد التوصل الى صفقة. كيف يتم عمل ذلك بالضبط؟ إنه لا يعرف بعد. وربما يكون هذا جيداً بالذات: لقد رأينا الهاوية التي قادنا اليها كل أولئك الخبراء الذين يفهمون في السلام. يمكن تنفّس الصعداء. الرئيس صديق حقيقي".
وفي "يديعوت أحرونوت" كتب سيفر بلوتسكر أن أحداً لم يفاجأ بتراجع إدارة ترامب عن فكرة الدولتين، إذ "يبدو ظاهراً أن ترامب لا يؤمن باحتمال مثل هذا الحل ويميل إلى تسوية من نوع آخر، تقوم على أساس فكرة الحكم الذاتي الفلسطيني". ويرى الكاتب أن "هذه هي خلاصة الرسالة التي نشأت عن المؤتمر الصحافي لترامب ونتنياهو. يمكن أن نستبعدها بصفتها غير جدية بسبب الاقوال المشوشة والمبلبلة التي سكبها ترامب، ويمكن التمسك بشظايا الأقوال كي ندّعي أنه في واقع الامر يواصل سياسة سلفه، مثلاً في مسألة المستوطنات". لكن ترامب، بحسب بلوتسكر، ليس أوباما، وهو "جاء ليحدث ثورة جديدة في أميركا، بما في ذلك في سياستها الخارجية أساساً. واذا لم يُنحَّ أو يستقيل، فسيحاول ترامب، كرئيس، بكل قوته أن يجسدها بالنسبة إلى الشرق الاوسط أيضاً. المؤتمر الصحافي كان المقدمة فقط".
وكان ليوسي فيرتر في "هآرتس" نظرة مختلفة إلى أداء ترامب الذي لم "يُظهر إلماماً لافتاً بتاريخ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني: دولة واحدة، دولتان، مثلما تقررون، هذا ما قاله في المؤتمر الصحافي في البيت الابيض الى جانب نتنياهو المحرج، المهم أن نتوصل الى صفقة. لقد ظهر رئيس الولايات المتحدة وكأنه لا يعرف الكثير. النظرة الاقليمية التي تحدث عنها بدت فارغة وكأن أحداً ما وضع أمامه صفحة تحمل العنوان، وهو قام بتكراره". وفي الصحيفة نفسها، كتب باراك رابيد أن "الأمر الوحيد الواضح في المؤتمر الصحافي هو أن مدى اطلاع ترامب وأعوانه على الصراع الإسرائيلي ــ الفلسطيني محدود جداً في أحسن الحالات، وأبعد ما يكون عن بلورة استراتيجية واضحة". ويوضح رابيد "لقد شدد ترامب مراراً وتكراراً على أنه يريد صفقة بين إسرائيل والفلسطينيين والدول العربية، الأمر الذي يصعب فهم كيف يمكن تطبيقه وتسوية كل التناقضات الداخلية. وضمن أحد أهم الأمور التي عرضها ترامب، والذي يتصل بجوهر الصفقة التي يريد إنجازها، هو السذاجة التي أعلن فيها أنه سواء بالنسبة إليه حل الدولتين أو حل الدولة الواحدة، وكأن الأمر الهامشي المتبقي هو التوصل إلى اتفاق الطرفين على ذلك". ورأى المحلل السياسي في الصحيفة أنه "للمرة الأولى يدفع رئيس أميركي بحل الدولتين جانباً، ويعبّر عن دعمه لإمكانية تحويل إسرائيل من دولة يهودية ديموقراطية إلى دولة ثنائية القومية. والحديث ليس عن حكم ذاتي كما يطمح نفتالي بنيت، ولا عن دولة منقوصة كما يريد نتنياهو أن يحصل، بل عن دولة واحدة يهودية – عربية. هذه الرسالة هي تقريباً مناهضة للصهيونية، وهناك شكوك في أن يكون ترامب مدركاً لمغزى أقواله". وبناءً على ذلك، يستخلص الكاتب أنه "في كل مرة كان يصطدم ترامب وأعوانه بالواقع، منذ أن دخلوا البيت الأبيض، كانوا يعودون إلى المربع الأول، وهو ما حصل في العلاقات مع الصين، والسياسة تجاه الاحتلال الروسي في أوكرانيا، وبشأن نقل السفارة إلى القدس. ولا يوجد سبب يدعو إلى الاعتقاد بأن الأمر نفسه لن يحصل بشأن حل الدولتين".
أما بن كسبيت، كبير المحللين في صحيفة "معاريف"، فدعا إلى التريّث وعدم المسارعة إلى إطلاق الأحكام النهائية بخصوص سياسة ترامب التي تبدّت في مؤتمره الصحافي. فهذا، برأي الكاتب، "لم يكن لقاءً تاريخياً، مصيرياً أو حاسماً. الابتهاجات في اليمين سخيفة، وكذا فرك اليدين في اليسار زائد. دونالد ترامب لا يعرف بعد ماذا يريد من نفسه ومن الشرق الأوسط. فهو رئيس غير متبلور مع إدارة غير متبلورة، لم تنجح بعد في ملء شواغر المناصب الأساسية حوله، ومن تلك التي أُشغلت يستقيلون بفضائح مدوية".
ويتابع كسبيت "إن شخصية ترامب معروفة ومكشوفة، وهو غير مدين بشيء لأحد وليس له مشكلة في أن ينقلب على الاصدقاء أو يتنكر للتوافقات أو ينتهك الاتفاقات. فتاريخه التجاري مليء بمثل هذه الأحداث، وكل من تابعه في العقود الأخيرة يعرف بأن ترامب يرتجل أثناء الحركة". وعلى هذا الأساس، فإنه "حتى لو نجح نتنياهو في أن يدفع ترامب إلى التوقيع أمس على قرض سكني، من دون أن ينتبه، فإن أحداً لا يمكنه أن يضمن احترام الشيكات".