سنّ الكنيست الإسرائيلي مساء أول من أمس، قانون «شرعنة المستوطنات» التي تُعَدّ غير قانونية وأُقيمت من دون ترخيص إسرائيلي، الذي يتيح سلب أراضي الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، حتى لو أُثبِت أنّ البؤر أقيمت على أراضٍ بملكية فلسطينية خاصة.
ويأتي ذلك بعد أيام قليلة على إخلاء «مستوطنة عمونا» التي كانت مقامة على أراضي جبل أبو مصطفى بالقرب من بلدة سلواد. ويأتي أيضاً في سياق إعلان وزير أمن العدو، أفيغدور ليبرمان، تكثيفَ البناء الاستيطاني، وإقامة أكثر من 6000 وحدة استيطانية في الضفة منذ بداية العام، في تعبير عن «تأثر إسرائيل الواضح بالرياح الترامبية الآتية من أميركا»، كما ذكرت صحيفة «هآرتس» قبل أسبوع.
ولقي القانون إدانة واسعة من الفلسطينيين والمدافعين عن «حلّ الدولتين»، باعتباره «سرقة» وخطوة إضافية لضمّ كامل الضفة الغربية المحتلة، بينما رفضت الإدارة الأميركية التعليق، حتى مساء أمس. ومن لندن إلى القاهرة، مقرّ الجامعة العربية، مروراً بباريس وبرلين وبروكسل وأنقرة وعمان، توالت الإدانات للقانون الذي يوجه ضربة جديدة إلى «عملية السلام» المجمدة.

إذا ما تقرر بناء مستوطنات، فإن القانون يجيز مصادرة أراض فلسطينية

ويجيز القانون مصادرة أراض فلسطينية بملكية خاصة إذا بُنيت عليها مستوطنات، برغبة من المستوطنين أو بتشجيع من الحكومة، ومن ثم تُنقَل هذه الأراضي للدولة في مقابل حصول الفلسطينيين على «أرض بديلة»، أو تعويض مادي بقيمة 125% من قيمة الأرض. وبالتوازي مع ذلك، تصدر تراخيص بناء بأثر رجعي للمباني الاستيطانية التي أقيمت على هذه الأراضي «من دون ترخيص»، إذ يفترض أن «يشرعن» القانون أكثر من 4000 مبنى استطاني. كذلك سيكرّس مصادرة 8183 دونماً (نحو 800 هكتار) من الأراضي الفلسطينية الخاصة، بحسب «حركة السلام الآن».
وبرغم أنّ الكيان الإسرائيلي يحتل الضفة الغربية، ويسيطر على نحو 60 في المئة من مساحتها في المنطقة المصنفة «ج» وتخضع لسيطرة مدنية وعسكرية إسرائيلية كاملة، فإنّ هذا القانون يشكّل سابقة، لكونها المرة الأولى التي يقرّ فيها الكنيست بتشريع مستوطنات على أراضٍ فلسطينية خاصة في الضفة الغربية.
وبينما حظي القانون بدعم صريح وواضح من وزيرة العدل إيليت شاكيد، ووزير التعليم نفتالي بينيت، وكلاهما من حزب «البيت اليهودي»، تشير تقديرات المحللين الإسرائيليين إلى أن المحكمة الإسرائيلية العليا قد تمنع تطبيقه، «تجنباً لأيّ دعوى قد يقدمها الفلسطينيون ضد إسرائيل في المحاكم الدولية»، خاصةً تلك التي تعتبر أنّ الاستيطان الإسرائيلي جريمة يجب وقفها وفرض عقوبات على مرتكبيها.
وبرغم إعلان المستشار القضائي لحكومة العدو، أفيحاي مندلبليت، عزمه على «عدم الدفاع عن القانون في قاعات المحكمة العليا»، فقد أصر الائتلاف الحاكم (الذي يُعَدّ البيت اليهودي أحد أبرز دعائمه) على إمراره، وذلك إضافة إلى إعلان أكثر من مسؤول إسرائيلي «تجنيد محامين خاصين للدفاع عن القانون إذا ما حاولت المحكمة العليا إلغاءه، أو عرقلة تطبيقة».
وبعد إقرار القانون بالقراءتين الثانية والثالثة، علقت عضو الكنيست شولي رفائيلي، من «البيت اليهودي»، قائلةً إنه «يوم تاريخي شُرع فيه قانون تاريخي أيضاً، فالمواطنون الذين أقاموا بيوتهم في الضفة شجعوا الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على كسر أهداف المنظمات اليسارية الساعية إلى نسف مشروع الاستيطان». وشددت على أنّ «على المحكمة العليا أن تفهم أنه يجب ألا تنزلق إلى النقاشات، أو تتدخل في صيغة القانون الذي يتعامل مع قضية سياسية واضحة»، مهددة بأنه «إذا عملت المحكمة العليا على إلغاء القانون فستواجه (من قبلنا)، إذ سنعمل على تعزيز تطبيق القانون الاسرائيلي في الضفة».
وفي السياق، أشارت «هآرتس» إلى أن أعضاء من حزب «البيت اليهودي» حاولوا وضع بند في النسخة الأولى من اقتراح القانون، يلغي أوامر «العليا» المتعلقة بإخلاء أو هدم أي بؤرة استيطانية أُقيمت على أراضٍ فلسطينية بملكية خاصة، لكن حزب «كولانو» (بزعامة وزير المال موشيه كحلون) اعترض على ذلك «لعدم عرقلة عمل أعلى هيئة قضائية في إسرائيل (العليا)»، فأزيل البند ليُقرّ بصيغته الحالية.
من جهة أخرى، رأت «القائمة العربية المشتركة» التي تضم أربعة أحزاب عربية في الكنيست، أنّ «قانون تسوية الاستيطان رسالة واضحة للعالم أجمع بأن إسرائيل ماضية في سياسة الاحتلال والاستيطان والحرب». وأضافت في بيان أصدرته أمس، أن «القانون الفاشي والعنصري الذي يشرعن جرائم الاحتلال وينهب الأراضي الفلسطينية، أعدم الخيار السلمي وسدّ الأفق أمام إمكانية استقلال الشعب الفلسطيني، حيث استغلت حكومة اليمين هيمنتها لتبييض المستوطنات وضمّها وشرعنة النهب والسلب». وقررت «المشتركة» عدم التوجه إلى «العليا» للالتماس على «القانون»، وذلك بهدف «عدم منح القرار شرعية سياسية، لأن القانون الوحيد الذي يسري على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 67 هو القانون الدولي وليس الإسرائيلي».
وفي باريس، أعلن الرئيسان الفرنسي فرنسوا هولاند، والفلسطيني محمود عباس، «الرفض الشديد» للقانون. وقال عباس في خلال مؤتمر صحافي مشترك مع هولاند، إنّ «التشريع... الذي يجيز سرقة الأراضي الفلسطينية الخاصة لمصلحة المستوطنين، ويشرّع بأثر رجعي البناء الاستيطاني على جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، وبما فيها القدس الشرقية، مخالف للقانون الدولي». ومن جهته، دعا هولاند «إسرائيل وحكومتها إلى التراجع عن هذا القانون»، معتبراً أن القانون سيؤدي إلى «ضم للأراضي المحتلة بحكم الأمر الواقع».
وعلى المستوى الدولي، أرجأ الاتحاد الأوروبي القمة السياسة التي كان من المقرر عقدها مع إسرائيل في الثامن والعشرين من الشهر الجاري، وذلك «احتجاجاً على موجة الاستيطان الأخيرة في الضفة الغربية والقدس المحتلتين، إضافة إلى إقرار القانون الجديد»، وفق ما ذكره موقع «واللا» الإلكتروني.
إلى ذلك، أدان وزير شؤون الشرق الأوسط البريطاني، توبياس إلوود، القانون، مشيراً إلى أنه «مثير للقلق ويتيح المجال لبناء المزيد من الوحدات الاستيطانية وتوسيع المستوطنات القائمة في الضفة الغربية، ويهدد حل الدولتين وإمكانية التوصل إلى سلام». واللافت أن هذه الإدانة أتت بعد يوم واحد فقط على لقاء رئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو، ورئيسة وزراء بريطانيا، تيريزا ماي، في لندن، التي عبّرت عن «تمسك بلادها بحل الدولتين، وأن الاستيطان من شأنه أن يعوق تحقيق هذا الهدف».
وفي سياق الحديث عن «التأثر بالرياح الترامبية»، يُجمع المحللون الإسرائيليون على أن إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، «ملتزمة تجاه تحقيق المصالح القومية الإسرائيلية العليا أكثر من إرادة سلفه باراك أوباما». وقد شكر أمس، النائب عن حزب «البيت اليهودي» بتسلئيل سموتريتش، وهو أحد أشد داعمي القانون، الشعب الأميركي لانتخابه دونالد ترامب، لأنّ «من دونه، فإن القانون، على الأغلب، لم يكن سيُقَرّ».