في أيّار/ مايو الماضي، نشرت «الأخبار» النص الكامل للمسودة الروسيّة لمشروع الدستور السوري الجديد، إضافة الى التعديلات السورية على المشروع. يومها، لجأت وكالات أنباء قريبة من موسكو (وأعادت وسائل إعلاميّة سوريّة النشر نقلاً عنها)، إلى التبرّؤ من الوثيقة ونفي وجودها.قبل فترة وجيزة، خرجت الوثيقة نفسها إلى الضوء في مؤتمر أستانة الأخير، فتبارت صحف بارزة، ومواقع معروفة، بنشر أجزاء صغيرة من مسودة الدستور، أو تفصيلات عابرة من الملاحظات السورية عليه.

بصرف النظر عن الألاعيب الإعلامية التي تعكس نقصاً في المهنيّة لدى بعض الاعلام العربي، باتت مفيدة استعادة السياق الذي نشرت فيه «الأخبار» مسودة الدستور السوري.
وقتذاك، كان مجلس الأمن الدولي قد وضع جدولاً زمنياً يستوجب تفاوض مختلف الأطراف حول دستور جديد لسوريا، ثم إصدار مسودة دستور بحلول شهر آب/ أغسطس من عام 2016.
لكن المسار السياسي سرعان ما تعطل جراء عوامل عدّة، أهمّها سخونة الميدان، خصوصاً في حلب، وسقوط الهدنة «الروسية ــ الأميركية». اليوم، مع عودة الهدنة وبدء العملية السياسية انطلاقاً من مؤتمر أستانة، «ظهر» الدستور المُعدّ في موسكو، وبدأت عشرات المواقع بـ«تسريب» بنود منه، أو من ردود دمشق عليه تحت عنوان «حصري». كل ما نُشر طبعاً لا يعدو كونه نتفاً من الوثيقة ذاتها التي تمتلكها «الأخبار» كاملةً منذ عشرة أشهر.

="" title="" class="imagecache-465img" />
للاطلاع على نسخة مسودة الدستور كاملة انقر هنا

في الربيع الماضي، كان التباين كبيراً بين دمشق وموسكو. وكانت سوريا، بالتنسيق مع حلفائها في الاقليم، ترفض السير في مشاريع روسية تسعى موسكو لصرفها ضمن تفاهم ثنائي مع الأميركيين. وانعكس هذا التباين جموداً في ميدان ما بعد الهدنة، حيث كان همّ الجيش السوري وحلفائه تثبيت مواقعه، عارفاً تمام المعرفة بالتحضيرات الميدانية الضخمة الذي تجريها الجماعات المسلّحة، في ظلّ تحييد سلاح الجو وتلقّيه الدعم النوعي من جانب أنقرة وغيرها.
وتلك الحقبة تميّزت بالليونة الروسية المبالغ فيها إزاء بعض الأفكار الأميركية، خصوصاً عندما وصل النقاش إلى بنود الدستور الجديد الذي تولّى الجانب الروسي نقله كحصيلة محادثات مع واشنطن. لكن تلك الليونة سرعان ما بدأت بالاندثار، لنشهد التحوّل السياسي والميداني الكبير في موقف موسكو (معركة حلب)، وصولاً إلى «تحييد» واشنطن عن المسار السياسي الحالي في أستانة، في انتظار «جنيف» جديد ومآلات السياسة الخارجية للرئيس دونالد ترامب.
أما النسخة الكاملة الورقية لمسودة الدستور، فقد تحفّظت «الأخبار» حينذاك على نشرها، كنوع من الرد على كل النفي الذي صدر. والنشر لم يكن يومها في سياق سياسي كما أوحى بعضهم، وإن استهدف فعلياً كشف نيات سلبية إزاء مستقبل سوريا... إذ لا يمكن أن نكون على الحياد تجاه أي مشروع تقسيم أو «لبننة» لسوريا، تطبيقاً لمشروع استعماري مفصّل على قياسات طائفيّة أو إثنيّة، وباسم «حماية أقليات»، وغير ذلك من الحسابات والمصالح الخارجية.
وللأسباب المشار إليها أعلاه نفسها، ننشر اليوم المسودة كاملة طبق الأصل مع التعديلات السورية بخطّ اليد، لتكون كاملة في متناول الرأي العام.