ضاعفت شرطة العدو الإسرائيلي في الشهور الأخيرة نسبة عمليات الدهم التي تنفذها بحق بيوت الفلسطينيين شرقي مدينة القدس المحتلة، وتركز على فعلها يومياً في ساعات الليل، من دون الحصول على إذن أو أمر تفتيش من وزارة القضاء الإسرائيلية بحكم أن المقدسيين يخضعون للعيش تحت سلطة بلدية الاحتلال، وذلك كي تجمع معلومات شخصية وبيانات حول السكان، إضافة إلى إحصاء أعداد أفراد الأسر.
ووفق صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، رأت وزارة القضاء أن الدهم الليلي «مخالف للتعليمات»، إذ تنفذ الشرطة تلك العمليات من دون الحصول على الموافقة، بل رغم التحذيرات التي أطلقتها الوزارة، تستمر الشرطة في ممارساتها كـ«إجراءات روتينية».
المداهمات الهادفة إلى إحصاء أعداد الفلسطنيين شرقي القدس وجمع معلومات عنهم بدأت في أيار من العام الماضي. وآنذاك، نقلت «هآرتس» عن مصدر في الشرطة الإسرائيلية قوله إن «الحملة ستنفذ لمرة واحدة فقط». رغم ذلك، يبدو أنه ــ منذ ذلك الحين ــ تحولت عمليات الدهم إلى ممارسات منهجية وجزء من عمل الشرطة.
في الشهر الأخير، تركزت عمليات الدهم في حي راس خميس المجاور لمخيم شعفاط للاجئين الفلسطينيين، وهو الحي المقام خلف جدار الفصل العنصري، لكن بلدية الاحتلال في القدس تبسط كامل سيادتها وسيطرتها عليه. ومن الشهادات التي نقلتها «هآرتس» عن سكان الحي، تبين أن عناصر شرطة الاحتلال حضروا ملثمين، ودهموا البيوت يومياً في ساعات متأخرة من الليل، بعدما عمدوا إلى إيقاظ الأهالي من نومهم، وإحصاء أعدادهم وتسجيلها، ثم جمع بياناتهم بعد طلب الأوراق الثبوتية الخاصة بهم.
كذلك، أشارت شهادات السكان الفلسطينيين إلى أن عناصر الشرطة الإسرائيلية لا يظهرون لهم أوامر أو تصريح بدخول المنازل، وأن المداهمات التي نفّذت دورياً وباتت أمراً روتينياً لم تكن تستهدف مطاردين أو مطلوبين للاحتلال، كما لم تهدف إلى تفتيش المنازل بحثاً عن أمر معين، لكنها كانت تهدف إلى إحصاء أعداد الأسر فحسب. ويحضر عناصر الشرطة الملثمون ومعهم خرائط جوية وهيكلية للحي، ويستجوبون الأهالي حول معلومات شخصية، متنقلين بين الجيران، ثم يطلبون منهم التصريح عن معلومات حتى عن الأطفال والمدارس التي يدرسون فيها.

العمليات الليلية تهدف إلى جمع معلومات تفصيلية عن المقدسيين

بلال محمد، هو واحد من سكان الحي الفلسطيني، قال في حديثه إلى الصحيفة إن «الشرطة وصلت إلى البيت الأسبوع الماضي في الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، وبعدما طرقت الأبواب بصورة وحشية، استيقظ هو وأطفاله مرعوبين». وأضاف: «طلبوا منّا إظهار بطاقات الهوية الخاصة بنا، كذلك سألوا عن عدد غرف البيت... وبعد انتهائهم سألت الضابط: ما الهدف من ذلك؟ فأجاب الأخير بأنه إجراء روتيني، وما من هدف محدد سوى جمع المعلومات».
أمّا نبيل غيث، فلا يختلف كثيراً عن بلال؛ هو الآخر دهم منزله عناصر الشرطة وفعلوا الأمر نفسه. وقال: «أعرف القانون، لذلك كنت سأسألهم إن كان لديهم تصريح بالدخول لمنزلي، لكنني خفت أن يتطور الموضوع».
في هذا الإطار، ذكر رئيس لجنة الأهالي في حي راس خميس، جميل صندوقة، أنه بحسب إحصاءات أجراها مؤخراً، تبين أنه في الشهور الأخيرة دهمت شرطة الاحتلال أكثر من 500 منزل هناك، وجميع المداهمات نفّذت بين الساعة الواحدة والرابعة فجراً، إذ اقتحم مئة عنصر (أحياناً أكثر من ذلك)، بين شرطة وحرس حدود، منازل الأهالي بعدما طرقوا أبوابها بصورة وحشية، ومن لم يستجب لهم، فتحوا باب منزله بالقوة.
وطاولت عمليات الدهم في المرحلة الأولى الأحياء المجاورة والقريبة جداً من قلب المدينة ومن شرقي القدس، مثل حي الصواني وحي وادي الجوز، وقرى العيساوية والطور. ويبدو أن هذه الحملات تزامنت مع إعلان السلطات الاسرائيلية، بُعَيد هبة القدس الأخيرة، وجود نقص حاد في خزان المعلومات الاستخبارية حول سكان الأحياء الفلسطينية في القدس، فسارعت الشرطة إلى إيجاد حلول سريعة، كان من ضمنها هذه العمليات الليلية.
ووفق «هآرتس»، يبدي السكان الفلسطينيون تخوفهم من أن هذه الحملات قد تكون مقدمة لإجراءات قمعية أخرى، مثل تسليم إخطارات بالهدم أو تسليم أوامر بإخلاء المنازل، خصوصاً أن الشرطة تحضر معها خرائط جوية وهيكلية للأحياء.
في المقابل، ادّعت الشرطة الإسرائيلية، رداً على احتجاج تقدمت به «جمعية حقوق المواطن» عبر المحامية نسرين عليان، أن ما تفعله هو «نشاطات اعتيادية وعينية مركزة، وهدفها إحباط أي عمليات إرهابية أو جرائم جنائية»، مقرّة في الوقت نفسه بأنها تدهم عشرات المنازل يومياً بحجة «ضمان أمن سكان المدينة».