تستعد القوى الحاكمة في كردستان العراق، لـ «الإستقلال» عن الدولة الوطنية العراقية، وليس عن الأميركيين والإسرائيليين... أو حتى عن الأتراك! بل إن الحماية الأميركية والتغلغل الإسرائيلي والتواطؤ مع تركيا الأطلسية على حساب أكرادها، هي القواعد المتينة لبحث استقلال الإقليم الذي ليس هنالك أي حدود مرسومة، واقعياً، لانفصاله. فالرجعية الكردية، تفكّر على الطريقة الصهيونية، وتسعى إلى رسم حدود الدولة الجديدة، وفقاً لادعاءات وفبركات وأساطير تمتد بالدولة المشتهاة إلى شمالي بغداد. ولا أريد الدخول، هنا، في سجال تأريخي، وإنما أريد اثبات واقعة النزعة التوسعية الكردية، وفقا لادعاءات تاريخية، لا وفقاً لجغرافيا واقعية ــــ اجتماعية.
للأمة الكردية، من دون أي التباس، الحق في تقرير مصيرها. ومعنى ذلك، جوهرياً، هو إقامة دولتها القومية على الأراضي المصنّفة، بصورة واقعية متفق عليها، كرديةً، في العراق وسوريا وتركيا وإيران؛ لكن أن يقتصر «الاستقلال» على البلدين العربيين، العراق وسوريا، فليس ذلك من تقرير المصير في شيء، وإنما هو عملية انفصالية رجعية، تأتي في سياق تقسيم الدولتين، وتدميرهما، وإشعال النيران في صراع إقليمي جديد، عربي ــــ كردي، من دون التوصل إلى حل تاريخي للقضية الكردية. التعاطف النضالي مع كردستان العراق، والإيمان في حقها في الحكم الذاتي، في إطار دولة وطنية ديموقراطية عراقية واحدة، كانا، دائماً، بنداً أساسياً على جدول أعمال الحركة الوطنية العراقية. وعلينا أن نلاحظ، هنا، أن ما تعرّض له الكرد من اضطهادات، كان جزءاً من ميدان سياسي عراقي لا قومي عربي؛ فلم يحدث أن تبلور خط قوموي عام بين العراقيين العرب، عادى الكرد. ولا توجد، في الواقع، أيّ عناصر تجعل التعايش الكردي ــــ العربي في العراق مستحيلاً. على العكس؛ فإننا لا نجد، في العراق، كما هو الحال في تركيا، أي تقاليد معادية للكرد. ومن بين هؤلاء، يوجد مئات الألوف، وربما أكثر، من الكرد المستعربين، الذين طالما شغلوا، خصوصا في العراق الملكي، مواقع قيادية على مستوى وطني. ومنذ ثورة 1958، أصبح التعامل مع الحقوق الكردية محورياً. وقد اعترف العراق العربي بحق استخدام اللغة والثقافة الكردية والتنمية والمواطنة الكاملة، من دون قيود، كما تكرست منهجية القبول بالحكم الذاتي لكردستان، حتى في زمن البعث.
التضامن التقليدي للحركة الوطنية التقدمية العراقية مع الكرد، ربما كان السبب الرئيسي في وضع هذه القضية، على سكة غير تلك التي سارت عليها في الدول الأخرى، إلا أن التيار المسيطر بين كرد العراق، كان، دائماً، شوفيني المضمون، وانتهازياً إلى درجة التعاون مع كل أعداء العراق، من إسرائيل إلى إيران الشاه، بل وكذلك، مساعي التفاهم مع البعث ضد الشيوعيين. وكل ذلك، قبل أن تشرع كردستان بالانفصال عن العراق تحت مظلة العدوان الأميركي ومنطقة الحظر الجوي. وعلى عكس العراقيين العرب، سنّةً وشيعة، لم تنشأ مقاومة كردية للاحتلال الأميركي، بعد 2003، وانما تعاون سياسي وأمني وتعزيز الانفصال، واقعياً ودستورياً، تحت حراب المحتلين.
في نيسان 2003، بدأت الميليشيات الكردية، البشمركة، تحت حماية الاحتلال، بعمليات تطهير عرقي ضد العرب والتركمان في كركوك، وضد الأيزيديين في سنجار، واستقبلت مكاتب ومراكز للموساد الاسرائيلي، وسهّلت بيع الاراضي لليهود، وسعت وما تزال، الى تكريد كركوك بمهاجرين كرد من تركيا وايران. والى ذلك ساهمت البشمركة في القتال مع الأميركيين ضد الفلوجة، وعملت، كجهاز امني، لصالح المحتلين ضد المقاومة العراقية. ووسط تفاقم الحرب على سوريا، بعد 2011، لعبت البرزانية، بالتحالف مع أنقرة، دوراً معادياً لدمشق، وتواصلت مع «داعش»، وتواطأت مع تحالف يضم الدواعش، لإسقاط الموصل، مقابل الحصول على كركوك. ولولا أن «داعش» ــــ الذي خان أيضا حلفاءه البعثيين والعشائريين ــــ اقترب من إقليم كردستان العراق، لبقيت العلاقة بين الفريقين تحالفية.
وها هي القوى الحاكمة في كردستان العراق، تستغلّ التحالف الضمني، فالصدام مع «داعش»، لطرح مشروع الاستقلال والتوسّع على حساب العرب والقوميات والطوائف العراقية؛ نحن، في الواقع، أمام إسرائيل ثانية، رؤية ومشروعاً واستراتيجية.
استقلال كردستان العراق، أو الجماعات الكردية السورية، لا يُطرَح في سياق تحرري، وإنما في سياق الهجمة الامبريالية الصهيونية الرجعية العثمانية على البلدين العربيين، وفي إطار خطة تحطيمهما. ولذلك، لن يُكتَب لهذا «الاستقلال» مستقبل النجاح، بل يبذر بذور الحروب مع الدولتين اللتين ستعاودان النهوض، عاجلاً أم آجلاً.
لا يوجد بين العرب والكرد، عداوة تاريخية، بل إخاء وتداخل وتاريخ مشترك، وكرد مستعربين وعرب مستكردين، وكذلك، تقليد مديد من التعاطف العربي التقدمي مع القضية الكردية؛ إنما ينبغي توظيف كل ذلك في مجرى واحد للتحرر الوطني المشرقي، لا كعنوان للسكوت على شوفينية تتحالف مع الامبريالية والصهيونية والرجعية لتمزيق العراق وسوريا. (عنوان المقال للزميل عبد الأمير الركابي).
5 تعليق
التعليقات
-
قومية صغرى .....1- القوميون قوميون قبل ان يكونوا يساريين ام يمينيين ,وكل قومية تحوي شيئا كبيرا ام صغيرا من الشوفينية , كما فعل القومي صدام مع الاكراد ام قادة بعث الستينات في سوريا اصحاب الحزام العربي . 2- ثم من قال ان هذه البلاد هي عربية والعرب جاءوا اليها من الجزيرة العربية , كما جاء ايضا الاكراد . 3- ثم ماهذا المنطق الذي يقول ان على اكراد سوريا والعراق الانتظار الى حل القضية الكردية في تركيا وايران , حتى يصبح حق تقرير المصير حقا , اين قرأه الكاتب في ادبيات اليسار حول القضية القومية وحق تقرير المصير ؟ وهل ينسحب ذلك ايضا على حق تقرير المصير للفلسطينيين حتى تحل مشاكل كل العالم العربي والا لن يكون حق تقرير مصير ؟ 4- ارحموا اليسار فانه لم يبتذل كما ابتذل على يد اليساريين العرب .
-
مقال مهم جدا جدا لان دورمقال مهم جدا جدا لان دور الأكراد وعلاقتهم بإسرائيل خطير جدا لانه سيتم استعمالهم لتبدا اسرائيل بتنفيذ مشروعها على الفرات وما شراء الاراضي من قبل اليهود وتكثيف وجود كنائس ومسحيين غربيين ينتمون الى تيارات دينيه مناصره الصهيونيه بدل مسيحيي العراق الأصليين مثل الكلدان وغيرهم وتهجير شعوب المتطقه الا دليل واضح من اجل تحقيق مشروع من الفرات الى النيل في ظل التدمير والتهويل والقتل والشعوت الملتهية عن الكيان الصهيوني الغاصب راس الحية.
-
عن السلفيةيجب أن يتوقف المرء قليلا عند المصطلحات و اللغة التي يستعملها في خطابه و انشائه. فالإصرار على التفسير الحرفي للمصطلحات هو من باب السلفيه حتى لو تسربلت برداء اليسار و الحداثة. ما معنى إن يقول الكاتب مثلا :"لأمة الكردية، من دون أي التباس، الحق في تقرير مصيرها"ما هي الأمة الكردية بوجود "العرب المستكردين و الكرد العرب"؟ و- لماذا الإصرار على تبني تلك القراءة للتاريخ في حين يثبت الواقع عدم وجودها (أين هم الأكراد و العرب كقوميات حقة). ثم هناك الجمود في المصطلحات : هل يوجد هناك اكراد تقدميين ليكون هناك رجعيه كرديه، و إن كان أساس التحليل هو الرجعيه فما فائدة نسبتها للكرد. أما عن " الهجمة الامبريالية الصهيونية الرجعية العثمانية" فالموضوع ذاته، لماذا يتم تذويب البعد الإمبريالي في شوربة من المصطلحات، و هو البعد الوحيد المهم. التحليل بحد ذاته شوربة من نوع آخر، فحيث أنه من المسموح للأكراد إن يكونوا دولة قوميه على أراضيهم التي يقع جزء منها في دول عربيه، فإنه من الممنوع إن يبدؤوها من تلك البلدان، لأنهم رجعيون، فهل كان للكاتب أن يتسامح مع ذلك إن كانوا "تقدميين"؟ ثم و بكل واقعيه ماذا يعني حق تقرير المصير في عالم اليوم المعولم؟ وفي عصر تآكل الدول القوميه؟ واقع الأمر أن الكاتب رجعي على طريقته،يبدو إن قراءته لماركس بحاجة لتجديد وتشذيب، حتى يعود إلى عالم البراكسيس قليلا. أو أنها ليست أكثر من غطاء لرجعيته الحقيقيه و في هذا يتشارك مع شراذم اليسار العربي المتحول لليبراليه الوهابيه.
-
بهدوء اعمقمع الاحترام للجهود في ميدان ترجيح الاحتمالات المستقبلية وهي مفتوحة ولايعدم أي كاتب ايجاد مايدعم احتمالاته، لكن بقليل من امعان الفكر اعتقد الخطر هو قرب الجولان وحوله ويأتي طعنا من المملكة الاردنية الهاشمية واسرائيل بشكل اساسي...ومايجري في الشمال والشرق السوري ليس سوى تعمية وتشتيت للجيش السوري والانتباه عن الخطر الفعلي...لهذا ولأسباب كثيرة ربما نتوقع مواقف اكثر وضوحا من احزاب وشخصيات في الاردن وليس كتابات وشوية ظهور اعلامي ... الاكراد دوما عاشوا هناك اضَطهدوا عندما قدروا وأضُطهدوا معظم الاوقات ولهم الحق في حلم دولة ويعرفون ان مشكلتهم هي مع تركيا بشكل اساسي وليس مع سورية...
-
ملاحظةملاحظة صغيرة: الشبك؛ والكاكأين؛ والايزيدين هم في اكثريتهم الساحقة كرد