لم يعد خافياً على أحد الدور الذي تلعبه إسرائيل في دعم مجموعات مختلفة من المعارضة السورية، تلبية لأهداف استراتيجية وسياسية تخدم مصالحها. لكن بعض الشخصيات السورية لم تعد ترى أي مشكلة في أن يُدرَج اسمها الى جانب أسماء إسرائيلية صهيونية، وأن تشاركهم في المال والغطاء السياسي تحت شعار تقديم «خدمات إنسانية للسوريين».
جمعية «عماليا» Amaliah (عمل الله) هي المثل النموذجي على تماهي عمل متموّلين سوريين معارضين مع مصالح إسرائيليين صهاينة نافذين. فريق عمل الجمعية يتألف من ناهد طلاس عجّة ويوڤال رابين وكمال اللبواني وموتي كاهانا وغيرهم... ابنة وزير الدفاع السوري السابق مصطفى طلاس وابن رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إسحق رابين، تجمعهما، كما يسوّق موقع الجمعية الإلكتروني، «خدمات إنسانية، كالتطبيب وتقديم المساعدات الغذائية للسوريين، لاجئين ومقيمين، وتفعيل دور المرأة السورية»... أما المعارض السوري كمال اللبواني، الذي شارك قبل سنتين في مؤتمر في إسرائيل مناشداً مساعدتها وتدخلها المباشر في الأزمة السورية، فتوصيفه الوظيفي في الجمعية هو «دبلوماسي إنساني» أو «دبلوماسي للأعمال الإنسانية» (!).
«عماليا» (لديها مكتبان، واحد في الولايات المتحدة الأميركية وآخر في إسرائيل) تتحرّك بين لبنان والاردن وتركيا وسوريا وإسرائيل كما تعلن على موقعها، ومن أولوياتها المعلنة أيضاً «إنشاء منطقة آمنة في الجنوب السوري». كل ما تقوم به الجمعية، حسب صحيفة «يديعوت أحرونوت»، يتمّ «بتوجيه من الجيش الإسرائيلي» وبتنسيق عالٍ معه.
الى جانب الشخصيات الإسرائيلية السابق ذكرها، تضمّ الجمعية ناشطين أميركيين ــ إسرائيليين ومسؤولين ممن عملوا في السلك الدبلوماسي بين واشنطن وتل أبيب ومتموّلين. ولعلّ أبرز المتموّلين والنافذين في الجمعية ناهد طلاس ابنة وزير الدفاع السوري السابق مصطفى طلاس وشقيقة العميد المنشق مناف طلاس، التي ورثت أموالاً طائلة عن زوجها تاجر السلاح السعودي أكرم عجة الذي تولى عقد صفقات السلاح بين فرنسا وآل سعود حتى عام ١٩٩١. طلاس اشتهرت بالثراء الفاحش وإقامة الحفلات والصالونات لكتّاب وسياسيين ورجال أعمال فرنسيين من مختلف التوجهات الفكرية والسياسية، كذلك موّلت مشاريع فنية عديدة داخل فرنسا... لكن نشاط طلاس عابر للحدود فهي، كما تنقل صحيفة «لو موند»، ساهمت في تمويل مستشفى «هاداسا» في القدس المحتلة (وهو المستشفى الذي استقبل رئيس الوزراء الاسرائيلي أرييل شارون عندما وقع في غيبوبة)، وهي من المانحات الكريمات لمعهد باستور ــ وايزمان، وهو شراكة علمية بين المعهد الطبي الفرنسي ونظيره الاسرائيلي.
هدف طلاس، وهي عضو ناشط في مجلس الجمعية، «دعم المرأة في الشرق الأوسط وفي سوريا خصوصاً»، لكن عند إلقاء نظرة على «المشاريع» المتعلقة بالمرأة التي نفذتها الجمعية منذ ٢٠١٦ لا نجد سوى كلام تسويقي وطلب تبرّعات مالية. دعم طلاس يتجلّى أكثر ربما على صفحتها على «انستغرام»؛ فهناك تنشر مثلاً صورة علبة حلو شامي مع تعليق «تذكّروا سوريا»، وأخرى لابنتها وهي تعتمر قبعة مطبوعاً عليها «هاشتاغ» في حب سوريا (معظم التعليقات بالإنكليزية تشوبها أخطاء لغوية فادحة)... طلاس التي تتمتّع بحصانة دبلوماسية في فرنسا لا ترى ضيراً في مشاركة ابن رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق رابين في مشاريع في الداخل السوري وفي البلدان المجاورة، أهدافها العلنية سياسية واستراتيجية، إسرائيلية قبل أن تكون إنسانية. لمَ لا؟ فطلاس تدّعي أنها «محارِبة من أجل السلام»، ولهذا فقد التقت الرئيس الإسرائيلي الراحل شيمون بيريز، كما تشير صحيفة «لو موند».
هكذا، يضيق موقع «عماليا» بالعبارات السلمية و«الأهداف الإنسانية»، بين أبرز أسماء مرتكبي المجازر بحق الفلسطينيين واللبنانيين. يذكر أن من أبرز أهداف الجمعية لعام ٢٠١٧، كما يرد على موقعها، «نقل حوالى ١٠ آلاف جريح ومريض سوري الى بلدان مجاورة، كإسرائيل والاردن وتركيا»، علماً بأن باصات الجمعية كانت قد نقلت عائلات مع أطفال الى الأراضي المحتلة «للطبابة والنقاهة» مرات عدة، خلال السنة الماضية.
(الأخبار)