تظهر مؤشرات قراءة المشهد اليمني أن التصعيد العسكري على الجبهات كافة سيكون سمة الشهرين المقبلين، وبالتحديد تاريخ بدء الحرب على اليمن نهاية آذار 2015. لكن هذه المرة لن يقتصر التصعيد على الحرب التي يشنها التحالف على اليمن، فالقوتان الرئيستان اللتان تخوضان الحرب، وإن كان يجمعهما العداء تجاه «تحالف القوى الوطنية» في صنعاء («المؤتمر الشعبي العام» و«أنصار الله»)، فإن الصراع على النفوذ بينهما عبر أدواتهما، ظهر أخيراً بصورة جلية في الاشتباكات الدامية في تعز بين الفصائل الممولة من الدولتين، مع الإشارة إلى أن مصادر متعددة تؤكد أن دولة الإمارات على تواصل مع أقطاب من «المؤتمر الشعبي»، والعداء تجاهه هو إعلامي فقط، مراعاةً «للشقيقة الكبرى» السعودية.
من غير المتوقع أن تخرج الإمارات بالوضع الراهن عن العباءة السعودية، لكن الصراع الذي تديره في اليمن مع «حزب الإصلاح» (الإخوان المسلمون) المدعوم من السعودية راهناً في أوج احتدامه، ويأخذ صوراً مختلفة، والفرز الحالي وما يحدثه من تصدعات على الساحة اليمنية بين الأدوات السعودية والإماراتية وصل إلى مكان يصعب رأبه أو حتى التخفيف من حدته. صراع الأدوات اليمنية الممولة من طرفي التحالف (السعودي والإماراتي) وصل إلى مرحلة التقاتل الداخلي كما حدث في اشتباكات تعز الأخيرة بين فصيل القيادي السلفي أبو العباس المدعوم من الإمارات و«الإصلاح» بقيادة غزوان المخلافي.

لا تدخل الإمارات ضباطها وجنودها إلى خضمّ المعارك

تترافق الاشتباكات في تعز مع حملة إعلامية يشنها الإعلام المدفوع من الإمارات يتهم فيها «الإصلاح» بالتخاذل، بل أبعد من ذلك، إذ يتهم بالتعاون مع «أنصار الله» والانسحاب من عدد من النقاط العسكرية لتمكين الجيش و«اللجان الشعبية». في المقابل، يتهم الإعلام المدعوم من «الإصلاح» الطرف الآخر بأنه سيطر على نقاطه في تعز لمنع الحزب الإخواني من المشاركة في معارك الساحل.
المطلعون على خلفيات ذلك الصراع يؤكدون أنه أبعد من صراع فصيلين أو فصائل يمنية، إنما هو من ضمن التنافس السعودي ــ الإماراتي، إذ تستغل أبو ظبي إخفاقات الرياض في العمليات العسكرية على الجبهات كافة لتقدم نفسها إلى الغرب كحليف عربي موثوق به في مكافحة الإرهاب، بل كأهم الحلفاء الذين يمكن الاعتماد عليهم في المنطقة، ودون أي تحفظات وبصورة تتجاوز مستوى تحالف السعودي ودول أخرى مع الغرب. كذلك تستغل الإمارات تلوث صورة السعودية في الحرب على اليمن وما أحدثته من مجازر بحق المدنيين، بالإضافة إلى سمعتها السيئة جراء تبنيها الفكر الوهابي الذي صار تهمة في الأوساط الفكرية والنخبوية الغربية وحتى الرأي العام العالمي.
لكنّ تقديم الإمارات نفسها كحليف موثوق لواشنطن بحاجة إلى أن تثبت فيه قدراتها العسكرية وقوة جيشها. وبالفعل، عملت دولة أبو ظبي على تشكيل فصائل عسكرية تحت مسميات مختلفة من جنوبي اليمن مثل «جيش النخبة الحضرمي» (عديده 12 ألف مقاتل)، و«الحزام الأمني» (عديده 12 ألف مقاتل) المشكل من قوى سلفية خارجت عن الطاعة السعودية. وأوكلت في الشهور الماضية مهمة تشكيل قوة عسكرية مؤلفة من 20 ألف مقاتل من جنوبي اليمن، إلى وزير الدفاع السابق هيثم قاسم طاهر.
في المرحلة الأولى دُرِّب خمسة آلاف منهم في مرفأ عصب في إريتريا لمدة شهر، أما بقية العدد المقرر، فخضع لدورات سريعة لمدة 15 يوماً في معسكرات داخلية. القوة الهجومية التي زجت بها الإمارات في جبهة باب المندب أساسها من الميليشيا التي أنشأها طاهر، وهذه القوة بالإضافة إلى الحزام الأمني والنخبة الحضرمية هي فصائل لا يعترف بها الرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي، ويتقاضى أفرادها رواتبهم من الإمارات عبر قادة تلك الفصائل.
تجدر الإشارة إلى أن القوات الإماراتية هي دعم لوجستي وقوة مالية ومعدات عسكرية، أما القوة البشرية المشغلة، فهي الفصائل اليمنية الجنوبية بالإضافة إلى قوات سودانية. وتعمد الإمارات إلى تكريس وجودها في اليمن بأدواتها (اليمنية) بالإضافة إلى أن العمليات الدائرة حالياً في الساحل الغربي أتت بزجّ الشباب الجنوبيين في أتونها، فيما تنأى بضباطها وبجنودها عن القتال، أو الزج بهم في المعركة، متحاشية وقوع خسائر بشرية في صفوفها كما حدث لقواتها في المعارك السابقة.
كذلك يشار إلى أن إدارة الهجمات الدائرة في الساحل الغربي لليمن هي إدارة أميركية بامتياز، بل إن الوجود الإماراتي في جزيرة سقطرى وميناء العصب الأريتري والمحافظات الجنوبية هو وجود وظيفي لخدمة المشروع الغربي والأميركي بالتحديد. ويدير الضباط والخبراء الأميركيون القواعد الإماراتية، فيما يعمل الضباط الإماراتيون على تنفيذ الخطط الأميركية عبر أتباعهم من الفصائل الجنوبية.
ومن المفيد التذكير بأن المتحدث باسم البنتاغون، الكابتن جيف ديفيس، أعلن في نسيان من العام الماضي أن الولايات المتحدة أرسلت (قوات العمليات الخاصة) لمساعدة قوات النخبة للإمارات العربية المتحدة العاملة على الأرض في جنوب اليمن في مهمة مؤقتة، ولكن في أيار أعلن البنتاغون أن البعثة ستمدد إلى أجل غير مسمى. وأفصح ديفيس آنذاك عن أن الولايات المتحدة أرسلت عدداً من الخبراء إلى «اليمن الجنوبي» من دون أن يذكر عددهم، لتقديم ما وصفه بدعم استخباري والمراقبة والاستطلاع الجوي والدفاع البحري والعمليات الأمنية بالإضافة إلى المساعدة في التخطيط العملياتي للقوات الإماراتية والدعم الطبي والتزود الجوي بالوقود، وفقاً لتعبيره.
سيستمر النزاع السعودي ــ الإماراتي المستتر بدعم الفصائل اليمنية إلى أن تقرر الإدارة الأميركية الجديدة الوجهة المقبلة للتعامل مع منطقة الجزيرة العربية، وقد أصبحت الظروف مهيأة لكل الاحتمالات، ولديها عدد من الخيارات، وإن كانت المؤشرات تفيد بأن خيار استفادة واشنطن من الإماراتيين واستخدامهم هو الأكثر ترجيحاً.