أربيل | خلافات جديدة بين الحكومة العراقية ومحافظة كركوك الغنية بالنفط بدأت بسبب عدم صرف الموازنة المالية المخصصة للمدينة، حيث تحولت المشكلة إلى انقطاع العلاقات الإدارية والمالية بينهما وأصبح النفط ورقة ضغط تستعملها كركوك ضد بغداد.المشكلة بين الطرفين بدأت مع بدء الأزمة المالية التي يعانيها العراق منذ العام الماضي نتيجة انخفاض أسعار النفط وزيادة المصروفات الأمنية للحكومة بسبب الحرب على تنظيم «داعش». وبحسب المسؤولين في كركوك، لم تصرف الحكومة الاتحادية منذ شهر آب الماضي المبالغ المالية المخصصة للمدينة تحت لافتة «تنمية الأقاليم»، أما ميزانية المحافظة النفطية من مشروع البترو دولار «خمسة دولارات عن كل برميل نفط مصدر» فلم تصرف منذ بدء العام الحالي.

وفيما لم يصدر أي موقف رسمي عن الحكومة العراقية حيال الأزمة مع كركوك، كشف مصدر في مجلس المحافظة لـ«الأخبار» عن وعود من الحكومة الاتحادية بقرب صرف 25% من ميزانية تنمية الأقاليم لمجلس المحافظة، إلا أن ذلك لم يحصل لحد الآن، مضيفاً أن مجلس المحافظة سيشكل وفداً رسمياً لزيارة بغداد وبحث الوضع مع الحكومة.
محافظ كركوك نجم الدين كريم، لجأ إلى رفع الصوت وإطلاق التهديدات بأن المحافظة لن ترسل ايراداتها الداخلية إلى بغداد إذا استمرت الحكومة المركزية بعدم إرسال ميزانية المحافظة، بهدف توفير متطلبات المحافظة المالية كبديل لتمويل بغداد. الأزمة الجديدة أدت إلى عدم صرف رواتب 700 عامل في محافظة كركوك من ضمن مشروع البترو دولار، كذلك أوقف أكثر من 500 مشروع في المحافظة كانت تمول من ميزانية تنمية الأقاليم، فيما استمرت بغداد في صرف رواتب الموظفين الرسميين.
الأزمة نشبت
بسبب عدم صرف الموازنة المالية لمخصصة لكركوك

رئيس مجلس محافظة كركوك، ريبوار الطالباني، كشف عن خطة لإدارة المدينة تتضمن تعويض النقص المالي من طريق تنشيط الإيرادات الداخلية، موضحاً أن الدوائر المحلية تعد تقريراً مفصلاً لمعرفة إيراداتها ومصروفاتها الشهرية. وأعلن الطالباني في حديث لـ«الأخبار» أن «الخطوة المقبلة لمحافظة كركوك ستكون الاستفادة من التصدير المستقل للنفط كبديل لنقص الميزانية».
أخر نسب تصدير النفط من حقول كركوك بلغت 300 ألف برميل يومياً من إجمال ثلاثة ملايين برميل مصدر من قبل العراق يومياً، وهذا يشكل حافزاً للمسؤولين في كركوك للاعتماد على نفطهم بدلاً من انتظار حصتهم من الموازنة الاتحادية العامة التي تماطل بغداد في إرسالها. وفي خطوة لا تقل خطراً عن سابقتها، عملت حكومة إقليم كردستان على ربط أنابيب نفط محافظة كركوك بأنابيبها دون الرجوع إلى بغداد، لتصدير نفطها من طريق تركيا، في إطار الاتفاق النفطي بين الإقليم والحكومة المركزية في العام الماضي.
ويستند المسؤولون في كركوك في خطوة بيع النفط مستقبلاً دون الرجوع إلى بغداد إلى قانون المحافظات العراقية الذي أعطى نوعاً من اللامركزية للمحافظات في إصدار التشريعات المحلية والأنظمة وتعليمات تنظيم الشؤون الإدارية والمالية، بما لا يتعارض مع الدستور العراقي وفق ما جاء في هذا القانون.
كركوك أو كما يسميها المحللون «القنبلة الموقوتة» جراء الخلاف السياسي الكبير عليها بين «الأكراد» والحكومة الاتحادية حول ملكية المدينة، لم تستطع المادة 140 من الدستور العراقي حل ملكيتها وضمها إلى إقليم كردستان أو إبقاء وضعها الحالي مربوط بالحكومة الاتحادية.
بعد عام 2003 حدثت خلافات كبيرة بين إقليم كرستان ومجلس محافظة كركوك ذات الأغلبية الكردية من جهة والحكومة الاتحادية من جهة أخرى، لعل أخطرها الخلاف الذي حصل في عام 2012 عندما شكلت الحكومة الاتحادية قيادة عمليات دجلة للجيش العراقي في حدود كركوك. الخطوة التي اعتبرها «الأكراد» نوعاً من التهديد العسكري على المدينة التي يهيمنون على ملفاتها الأمنية ووصل الخلاف إلى حد تحشيد القوى العسكرية من كلا الجانبين في مناطق التماس بينهما على أطراف المدينة.
لكن المشكلة الحالية بين كركوك وبغداد حول الميزانية هي الأولى من نوعها منذ الاحتلال الأميركي، لأنها تهدد العلاقة بين الطرفين على المستوى الإداري والمالي وربما جغرافياً في ما بعد. محافظ كركوك نجم الدين كريم كان واضحاً بخطوة الأزمة على مستقبل العلاقة بين الطرفين بقوله: «كلما ابتعدت كركوك عن بغداد أصبحت أقرب إلى إقليم كردستان».
لكن عضو مجلس محافظة كركوك عن قائمة «التأخي الكردية»، أوات محمد أمين استبعد حل ضم كركوك إلى إقليم كردستان في ظل تفاقم الأزمة الحالية. وشدد أمين في حديث لـ«الأخبار» على أن «إقليم كردستان لا يستطيع حل المشاكل المالية لكركوك لأن أربيل أيضاً تعاني من ضائقة مالية».
سيناريو الاستقلالية المالية لكركوك عن طريق بيع نفطها ليس حتى خياراً متاحاً أمام المكونات الأخرى للمدينة غير الكردية، فـ«العرب السنّة» لطالما عارضوا تقارب كركوك من الإقليم، رغم مشاكلهم مع الحكومة الاتحادية، و«التركمان» أيضاً لهم ملاحظات على خطوات «الأكراد» في كركوك رغم التقارب السياسي النسبي بينهما.
ولا يخفي عضو مجلس المحافظة، نجات حسين من القومية «التركمانية»، مخاطر فك الارتباط المالي مع بغداد وبدء عمليات بيع نفط كركوك دون الرجوع إلى الحكومة المركزية، رغم إشارته إلى ضرورة حل المشاكل المالية للمحافظة حسب قوله. وقال حسين في حديث لـ«الأخبار» إنه «يجب دراسة الموضوع بدقة لنعرف ماذا علينا وماذا لنا، وكيف نبيع النفط مستقبلاً من طريق الشركات»، محذراً من «تكرار تجربة الإقليم مع بغداد في قطع رواتب الموظفين الرسميين لكركوك في حال قيامنا ببيع نفط من دون الرجوع إلى بغداد».