موسكو | تجنّبت روسيا خوض حملة برية كبرى بعد معركة حلب. عقب الاتفاق على إطلاق مسار أستانة خفّضت وجودها العسكري، بالتزامن مع العمل على إدخال قوات «الخوذ الزرقاء» التي ستكون في معظمها روسية، مع مراقبي الأمم المتحدة الدوليين، بالتعاون مع الخبراء العسكريين الإيرانيين والأتراك، على أن تلعب القوات الروسية البرية الدور الأبرز في حفظ السلام المنشود. وتشير المعلومات إلى دور أساسي ينتظر أن تؤديه القوات الشيشانية النظامية. إذاً، عُقِد العزم على إنجاح جولة التفاهمات القادمة في أستانة، والتي ستدوم ليومي 23 ــ 24 من الشهر الجاري، للتفاهم على موضوعات ميدانية بمشاركة فصائل مسلحة تملك تركيا تأثيراً ملموساً عليها، ستجلس مقابل ممثلين عن الحكومة والقوات المسلحة السورية.
وقد تفضي المحادثات إلى تنفيذ اتفاق توزيع مناطق النفوذ ضمن سقف وحدة الأرض السورية نظرياً، بضمانة روسية ــ إيرانية تُريح التركي من مخاوف الكابوس الكردي، وضمانة تركية ــ روسية لسوريا وإيران بألا تتجاوز الفصائل الموالية لتركيا مدينة الباب شرقي حلب.

زارت سوريا منذ أيام شخصية مقرّبة من الرئيس الشيشاني


ويرأس وفد الجمهورية السورية السفير بشار الجعفري، يرافقه مستشار وزير الخارجية، أحمد عرنوس، وسفيرها في موسكو رياض حداد، وعضو مجلس الشعب أحمد الكزبري، والدبلوماسي حيدر علي أحمد، وأسامة علي من مكتب وزير الخارجية، وأمجد عيسى من رئاسة الجمهورية، إضافة إلى العقيد سامر البريدي من الأمن الوطني، وضابطين من الجيش هما اللواء محمد رحمون واللواء أسامة خضور، والعميد علي صافي من «الدفاع الوطني».
ومقابل تركيبة دبلوماسية عسكرية سورية، سيحضر وفد الفصائل المسلحة الموالية لتركيا، الذي يرأسه القيادي في «جيش الاسلام» محمد علوش.
ودعمت روسيا، على لسان وزير خارجيتها سيرغي لافروف، مشاركة علوش، على اعتبار أن «جيش الإسلام يشارك في تلك الاتفاقات (الهدنة والمفاوضات)، ومهما كان موقف العديد من الدول من هذا الفصيل، فإنه ليس مدرجاً على قائمة الأمم المتحدة للمنظمات الإرهابية»، مضيفاً: «نحن ندعم هذه المقاربة، نظراً لما عبّر عنه (جيش الإسلام) من الاستعداد للتوقيع، بجانب فصائل أخرى على اتفاقية حول بدء المفاوضات». وأبقى لافروف باب المشاركة مفتوحاً عبر القول إن صيغة الدعوات «تمكّن من مشاركة الجميع، بما فيهم الولايات المتحدة الأميركية».
غير أن الديبلوماسية الإيرانية أعلنت رفضها للمشاركة الأميركية، على عكس الترحيب الروسي والتركي، إذ استبعد الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي علي شمخاني أن يكون لواشنطن دور في محادثات أستانة، وأوضح أنه «بسبب معارضة إيران لمشاركة أميركا، فإنه لم يتم تقديم دعوة مشتركة لها من قبل الدول الثلاث الراعية للمباحثات... كما أنه ليس مجدياً أن تشارك في إدارة مبادرات سياسية في الأزمة السورية». كذلك أكد رئيس مركز الأبحاث الاستراتيجية في مجمع تشخيص مصلحة النظام، علي أكبر ولايتي، معارضة بلاده الشديدة لمشاركة أميركا في المؤتمر.
من ناحية أخرى ــ ورغم كل إشكاليات المشاركة ــ تأتي مهمة أستانة لتنسيق تفاهمات حفظ سلام ميدانية، تُشْرَك فيها الفصائل المسلحة، ضمن سيناريو بدأ يتبلور ويظهر بعد زيارة قادة معارضات مسلحة لموسكو، بقيادة الجنرال السابق المنشق مصطفى الشيخ، الذي وافق على إدارة ميدانية روسية تضمن دور الفصائل في مسار التسوية. وكان قد قال في وقت سابق: «دع القوات الروسية تتدخل في كل بقعة من سوريا، ونحن مستعدون للقبول بها إذا أرادوا تحقيق السلام». وأشار إلى وجود قوات شيشانية نظامية في سوريا ــ من دون تحديد عددها ــ تندرج ضمن قوات حفظ سلام.
ويتقاطع ما سبق مع زيارة شخص مقرّب من الرئيس الشيشاني رمضان قديروف، هو آدم اميلخانوف، منذ أيّام لسوريا، وهو الشخص الذي يكلّفه قاديروف عادة بالمهمات الدقيقة والحساسة. وتحمل الزيارة إشارة إلى احتمال إيكال مهمة مركزية للقوات الشيشانية ضمن القوة الروسية العاملة في سوريا.
وسيشكل موضوع «الخوذ الزرقاء» مادة دسمة لحوار أستانة الكازاخية. وتحتاج قوات الحرس الوطني الروسي إلى تشريعات خاصة للمشاركة في مناطق ساخنة تشهد نزاعات مسلحة خارج الحدود، ما يعني أن قرار إرسال أفراد روس وشيشانيين إلى سوريا، يتخذ على أعلى مستوى.
وعندما يجري سكرتير الأمن القومي الروسي نيكولاي باتروشف مقاربة حول إمكانية تطبيق تجربة الشيشان في بلدان أخرى (يعني بها سوريا)، يعتقد أنه بذلك يستطيع تأمين الاستقرار هناك، إذ حققت روسيا الاستقرار في الشيشان بفضل خطة أمنية واقتصادية اعتمدت إلى حدّ بعيد على قوى الأمن الداخلي المحلية، وفي غضون سنوات قليلة أزاحت شبح الحرب الشيشانية وطوّرت أداء السلطات المحلية لتخفف العبء الأمني على القوات الفدرالية.
أما بالنسبة إلى أنقرة، فتشير رؤيتها المستقبلية إلى رفض وجود الرئيس بشار الأسد في السلطة بخارطتها السياسية الموحدة، والتي أشار غير مرة إليها المسؤولون الأتراك من جهة، ومن جهة ثانية رضوخها لسياسة المصالح الروسية ــ الإيرانية والسير في طريق أستانة كخطوة جادة نحو تسوية شاملة، عبر توزيع أدوار وتقاسم نفوذ واقعيّ على الأرض.
المهم بالنسبة إلى السياسة التركية عدم مشاركة الفصائل الكردية المسلحة في المفاوضات، أو الاعتراف بوجودهم كقوة تمتلك حق المشاركة في مسار تقرير مصير التسوية السياسية. وهو أمر يتجاوز أهمية بقاء أو رحيل أو التعايش مع قيادة الرئيس الأسد من عدمه. فما المخرج والأكراد يحققون إنجازات في قتال «داعش»؟ وكيف سيتعامل التركي مع هاجس الجيب الكردي متحدياً الأميركي الراضي بقيام كيان كردي والمؤيد لمشاركته في المسار السياسي؟ وربما سيكون أول قرار استراتيجي وازن للرئيس المنتخب دونالد ترامب، بعد تسلمه مقاليد حكمه، المشاركة في جولة أستانة، وهو مسرح أعدّه الروسي والتركي والإيراني، لرسم معالم مستقبل الخارطة السياسية الإقليمية والدولية.
ومن المؤكد أن السياسات الأميركية الآفلة والصاعدة غازلت وتستمر في مغازلة أكراد سوريا والعراق، في تأييد واضح لكيان ذاتي كردي. كيف لا وهم يسيطرون على مناطق نفطية في كلا البلدين؟ وفي هذا السياق، رأى رئيس دائرة العلاقات الخارجية في حكومة إقليم كردستان، فلاح مصطفى بكر، أن من الضروري إشراك الأكراد السوريين والعراقيين في لقاء أستانة. وفي السياق، أفادت وكالة «روداو» الكردية بأنّ «3 قياديين أكراد تلقوا دعوات رسمية من تركيا لحضور محادثات أستانة، وهم رئيس المجلس الوطني الكردي ابراهيم بيرو، ونائبه عبد الحكيم بشار والمحامي درويش ميركان بصفة مستشار».
ولن يكون في وسع أنقرة سوى الترحيب بمشاركة أميركية، كذلك فإن موسكو طالما انتظرت هذا الاعتراف الأميركي. وفي ظل الترحيب التركي والروسي والرفض الإيراني لمشاركة أميركية، ستكون أستانة، في حال شارك الأميركي أو لم يشارك، أول اختبار مواجهة دبلوماسية جدية للدبلوماسية الإيرانية مع ترامب.
ومن خلال دراسة تشكيلة الوفود وبرنامج هذه الجولة المقتصر على يومين فقط، يبدو أنها، رغم الآمال التركية والروسية المعقودة عليها، لن تكون بديلاً من جنيف الذي سيظهر نيّات الإدارة الأميركية الجديدة.