بغداد | تشهد «خريطة التمثيل السياسي» للمكوّن السني في العراق تحولات ملحوظة على مستوى التحالفات الجديدة، استعداداً لانتخابات مجالس المحافظات والبرلمان. وقد عززت المرحلة التي شهدت تمدد تنظيم «داعش»، الفرز داخل الطبقة السياسية السنية، لتبرز ثلاثة اتجاهات رئيسية حالياً، ستدور حولها جميع عمليات البحث عن الشركاء من قبل الأطراف السياسية الأخرى.
ويضم الاتجاه الأول، القوى السنية المنخرطة في العملية السياسية في العراق منذ نشأتها، وفي مقدمتها «الحزب الإسلامي العراقي» (له علاقات بالإخوان المسلمين)، بزعامة السياسي المخضرم إياد السامرائي، الذي شغل موقع رئيس البرلمان في الدورة قبل الماضية، كما يضم الحزب أيضاً رئيس البرلمان العراقي، في دورته الحالية، سليم الجبوري، فضلاً عن شخصيات أخرى كثيرة. ويضم هذا الاتجاه أيضاً «حركة الحل» بزعامة جمال الكربولي المتحالفة مع «الحزب الإسلامي»، وبدا أن هذا التحالف قريب من الدخول في شراكة سياسية الآن مع ائتلاف «دولة القانون» بزعامة نوري المالكي.
ويضم الاتجاه الأول أيضاً، طيفاً واسعاً من نواب محافظات الأنبار وصلاح الدين ونينوى، شكلوا، برفقة نواب من محافظات أخرى، تكتلاً نيابياً، عرف بـ«جبهة الإصلاح» التي تبنت استجواب وزيري الدفاع والمالية في حكومة العبادي، قبل إقالتهما. ومن هؤلاء النواب أحمد الجبوري وعبد الرحمن اللويزي عن نينوى، ومشعان الجبوري عن صلاح الدين، وسالم العيساوي عن الأنبار. ولدى هؤلاء النواب الذين ينحدرون من المحافظات ذات الأغلبية السنية علاقات وثيقة بالمالكي أيضاً، ويعرفون في الأوساط الإعلامية والسياسية بأنهم «سنّة المالكي»، برغم خصومتهم اللدودة مع تحالف «الحزب الإسلامي ــ الكرابلة».
ومن ساسة الاتجاه الأول أيضاً، قاسم الفهداوي، وزير الكهرباء في حكومة العبادي، ومحافظ الأنبار الأسبق، الذي يتزعم كتلة «الوفاء للأنبار» النيابية، وتضم خمسة نواب. وفي ولاية المالكي الثانية، عندما كان الفهداوي محافظاً للأنبار، تقارب الاثنان كثيراً، لكن الأخير، منذ استوزاره، ينحاز نحو رئيس الوزراء حيدر العبادي. وينتمي إلى هذا الاتجاه أيضاً، محافظ صلاح الدين أحمد الجبوري، الذي سبق له أن شغل منصب وزير الدولة في حكومة المالكي الثانية، وهو أحد الشخصيات المعروفة بصلتها الوثيقة بزعيم ائتلاف «دولة القانون». وأخيراً، ضمن هذا الاتجاه، هناك زعيم «جبهة الحوار الوطني»، صالح المطلك، الذي لعب أدواراً برلمانية وتنفيذية عدة، لكن حضوره السياسي ينحسر منذ صعود تنظيم «داعش» في العراق.
ويُلاحظ أن المالكي نجح في الحفاظ على صلات قوية بمعظم شخصيات الاتجاه الأول، فيما بدأ العبادي في استقطاب عدد منهم، منذ توليه رئاسة الوزراء.
أما الاتجاه الثاني، فيضم الشخصيات السياسية والعشائرية والدينية المعارضة للعملية السياسية في بغداد، وهو توصيف يضم طيفاً واسعاً من الأسماء، تتقارب فيما بينها أحياناً، وتتباعد كثيراً، مما يؤدي إلى إضعاف تأثيرها، برغم حيازتها موارد مالية وإعلامية كبيرة. وفي مقدمة شخصيات هذا الاتجاه، يقف رجل الأعمال المثير للجدل خميس الخنجر، الذي ينحدر من محافظة الأنبار، ويتمتع بصلات قوية مع شخصيات مؤثرة في عدد من الحكومات الخليجية، فضلاً عن الأردن وتركيا. ويقود الخنجر تحالفاً يُدعى «المشروع العربي»، يضم زعيم ائتلاف «متحدون» أسامة النجيفي، وشقيقه محافظ نينوى السابق، أثيل النجيفي، ووزير المالية السابق رافع العيساوي. ويحظى هذا التحالف بثقة دول خليجية كبرى، ويتبنى سقف مطالب مرتفعاً للغاية، يبدأ من تعديل الدستور، ولا ينتهي عند تقاسم السلطات مع الأحزاب الشيعية في بغداد.
وبدا مؤخراً أن هذا التحالف قريب من التفاهم مع «المجلس الإسلامي الأعلى» بزعامة عمار الحكيم، في إطار مشروع «التسوية الوطنية». لكن المباحثات بين الطرفين تصطدم بعقبات كبيرة، بينها سقف المطالب المرتفع الذي يتبناه تحالف الخنجر، وصعوبة تسويق مثل هذا التحالف في الشارع الشيعي العراقي، لارتباط معظم رموزه بقضايا جدلية.
ويحاول هذا التحالف استثمار علاقاته الدولية والإقليمية في الضغط على بغداد لتلبية مطالبه، كما أنه يتبنى خطاباً متشدداً، يصل إلى حدّ التصعيد الطائفي، وهو ما يعيق اندماجه في المشهد العراقي الداخلي.
ومن بين الشخصيات البارزة الأخرى في هذا الاتجاه، سعد البزاز، الذي يملك قناة «الشرقية» الفضائية، صاحبة نسب المشاهدة العالية في العراق، والمتهمة في الأوساط الشيعية، بتأجيج النزاع الطائفي. وضمن هذا الاتجاه أيضاً، هناك جمال الضاري، الذي انشق عن «هيئة العلماء المسلمين» التي أنشأها حارث الضاري، ويتولى زعامتها في العراق الآن نجله مثنى. وأخيراً في هذا الاتجاه، هناك رجل الدين عبد الملك السعدي، المقيم في الأردن، والذي لعب دوراً بارزاً في حشد الشارع السني حول اعتصامات الأنبار خلال عام 2013، قبل أن ينزوي بعيداً عن الإعلام.
الاتجاه الثالث، تمثله قوى عشائرية صعد نجمها بعد انخراطها مع القوات العراقية في قتال تنظيم «داعش» منذ نحو عامين. ومن بين هذه القوى، عشيرة الجغايفة، التي عرفت بصمودها لنحو عامين في مدينة حديثة غرب الأنبار، والتي أخفق تنظيم «داعش» في السيطرة عليها، أو حتى اقتحامها، برغم عشرات الهجمات التي شنها التنظيم عليها، وسقوط معظم المناطق المحيطة بها بين أيدي عناصره.
وفي صلاح الدين، تمثّل عشيرة الجبور، المعروفة بـ«جبور العلم»، أبرز قوى الاتجاه الثالث. وانخرط أبناء هذه العشيرة في تحالف مع بعض فصائل «الحشد الشعبي» إبان انطلاق عملية استعادة محافظة صلاح الدين من تنظيم «داعش» صيف 2015، بل انضم بعض أفرادها إلى «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله العراق» بعد استعادة المحافظة.
وفي نينوى، برزت حشود مسلحة تقاتل إلى جانب القوات الأمنية لاستعادة المحافظة من «داعش»، مثل «حشد اللهيب»، و«حشد السبعاويين».
ويتوزع ولاء قوى الاتجاه الثالث بين المالكي والعبادي، إذ يسعى كل منهما إلى أخذ هذه القوى الصاعدة في الاعتبار عند رسم خريطة التمثيل للمشهد السياسي السني. ومن جهة أخرى، يحاول عمار الحكيم تبني فكرة «مساعدة السنة» على حسم أزمة تمثيلهم في ظل تشظي قواهم السياسية. ويعمل زعيم «المجلس الأعلى»، بمساعدة من ممثلية الأمم المتحدة في العراق، على جمع شخصيات من الاتجاهات الثلاثة داخل الطبقة السياسية السنية، في مؤتمر ببغداد، ينتهي إلى تسمية ممثلين للطائفة بما يمكّن القوى السياسية الأخرى التفاوض معهم، أو اختيار شركاء منهم.