مرّ أكثر من أسبوعين على مقتل الشاب الفلسطيني مثقال السالمي، في جريمة لقيت استنكاراً رسمياً محدوداً، من دون أن تكشف التحقيقات الرسمية لأجهزة الأمن في غزة حتى الآن، عن ملابسات الجريمة.
كلّ ما تؤكده الجهات الرسمية أن «التحقيقات جارية» من دون أن توضح هل هي تحقيقات مرتبطة بوجود مشتبه فيهم، وما علاقتها بحملة اعتقالات تلت اغتيال السالمي (35 عاماً)، وتكوين لجان مشتركة لمتابعة هذه القضية.
الأحداث المتتالية مثّلت أرضيّة للشعور بأن ما وراء مقتل السالمي أكبر من كونه جريمة نفذها «متشددون» في مخيم الشاطئ بحق الشاب المعتقل سابقاً لدى أجهزة غزة الأمنية والمشهّر به إسرائيلياً. لو أن الأمر كذلك، لكان سهلاً على الجهات الرسمية في غزة إعلان ملابسات الحادث بسرعة، كما جرت العادة، والتوجه إلى حل قضائي أو عشائري (بعد معرفة القاتل والمشاركين معه)، لكن وراء الأكمة ما وراءها، وخاصة أن السالمي ليس مرتبطاً بعمل تنظيمي.
بعد أيام من محاولة التواصل مع النيابة العامة في غزة ومجلس القضاء الأعلى ووزارة الداخلية وكل من يمكن أن يكون له علاقة، وبعد تحويلنا إلى أكثر من شخصية واعتذار آخرين، كان الردّ من المتحدث باسم «الداخلية» في غزة، إياد البزم، مقتضباً، بأن التحقيقات جارية وأن الشرطة تعمل «بصورة مكثفة» على كشف ملابسات الجريمة. ورفض البزم التعقيب على تساؤلات تخص هوية الجناة، طالباً الانتظار حتى إعلان «نتائج رسمية».
بالرجوع إلى العائلة، التي ترددت كثيراً قبل إجابتنا، ذكر أقرباء السالمي أن الجهات المسؤولة أبلغتهم، أمس، هوية القاتل الذي يقطن قريباً منهم وأُلقي القبض عليه بعد هربه لمدة من الوقت، وأن جهاز الشرطة بصدد اتخاذ الإجراءات والخطوات القانونية معه من دون ذكر لشركاء، لكن العائلة رفضت إعلان المطالب التي أبلغت بها الأجهزة الأمنية، مختصرة طلبها بـ «محاكمة عادلة» كي تفتح بيت عزاء لنجلها، ومؤكدة أنها لن «تنجرّ وراء الثأر الشخصي».
حتى اللحظة تبدو الأمور طبيعية: جريمة قتل خطط لها وشارك فيها أشخاص مدربون على حمل السلاح وأمسكت بهم الأجهزة الأمنية في زمن قياسي وهي بصدد التعامل القانوني معهم، لكن مصادر أمنية مطلعة على سير التحقيق تنقل صورة سوداوية عن سيناريو أسوأ كاد أن يقع، فضلاً على وجود «اختراق حقيقي لداعش في أجسام فصائل فلسطينية كبيرة»، وهو ما يعني، وفق التوصيات المرفوعة إلى أصحاب القرار في القطاع، أن «ثمة امتداداً بشكل أو بآخر لتنظيم الدولة داخل غزة».

«ولاية سيناء»
تضغط على «حماس» بإغلاق أنفاق للمقاومة

تفيد المصادر بأن المشاركين في الجريمة خمسة أشخاص، أحدهم له شقيق في سوريا (مسؤول في «ولاية الرقة» التابعة لـ«داعش») هو المسؤول عن «التوجيه والدعم» وأيضا تأمين خروج من يحدق به الخطر من الخلية إلى مصر، بالتنسيق المباشر مع «ولاية سيناء» من خلال ما بقي من أنفاق حدودية لم يكتشفها الجيش المصري، لكنّ هذا الشخص، الذي كانت مهمته متابعة تحركات السالمي، اعتذر في اللحظات الأخيرة «لأسباب غير معروفة»، فيما واصل البقية خطتهم، ثمّ تعذر عليهم خطف السالمي لتصويره قبل ذبحه أو إطلاق النار عليه في قدميه ثم رميه في شارع ما.
كان البديل قتل السالمي مباشرة، ووقت التنفيذ هو العصر، ما استلزم من القاتل (م.ع) ومساعده (أ.هـ) ارتداء أقنعة لعلمهما بوجود كاميرات مراقبة لمحلات تجارية في المنطقة. نفذ م.ع. الجريمة بواسطة مسدس، فيما اعترف أحد أفراد الخلية (م.م)، المنتمي أيضاً إلى «القسام» ومن سكان المنطقة، بأنه كان يحمل سلاح «كلاشنكوف» كي يتدخل في حال حدوث «طارئ» وإظهار الأمر كاعتداء من طرف السالمي عليهم.
وأكدت المصادر أن القاتل شقيق أحد الاستشهاديين في الانتفاضة الثانية ويعمل مدرباً في جهاز الشرطة وفي وحدة قتالية لدى «كتائب القسام»، الذراع العسكرية لحركة «حماس».
بعد ذلك، اضطر القاتل إلى التواصل مع مجموعة من الأسماء المعروفة (م.خ، م.ح، س.ح) لدى أجهزة الأمن، وأبلغهم أن «الأمور تمام»، أي إن المهمة نفذت، وطلب منهم العمل على نقله خارج غزة.
هذه المعطيات، التي أظهرت اختراقاً قوياً بين عناصر لا يزالون قيد العمل، استدعت تدخلاً طارئاً من «القسام»، التي أنهت تحقيقها مع القاتل قبل يومين وسلمته للشرطة رافعة عنه الغطاء التنظيمي، فيما تبيّن اعترافات الخلية أن استهداف السالمي ليس حدثاً عرضياً وإنما كان على «أساس فكريّ» عقديّ، وهو ما يثير خشية كبيرة من وجود «عناصر نائمة» تعمل في أطر الفصائل نفسها وتمثّل «مؤشراً خطيراً» بالنسبة إلى قيادة المقاومة.
كذلك فإن اهتمام «داعش» ببعض الأشخاص أو الجهات في غزة، وإظهار قدرته على التنسيق بين سوريا وغزة وسيناء في مثلّث عمل متكامل، يعطي إشارة مستقبلية إلى أنه اذا قرر التنظيم قبول «بيعة» بعض المجموعات في القطاع، فإن المقاومة ستكون أمام استحقاق محرج وصعب.
وتفيد مصادر أمنية أخرى بأن أوامر صدرت من «ولاية الرقة» لـ«ولاية سيناء» بالضغط على «حماس» عبر إغلاق منافذ ما تبقى من أنفاق للمقاومة بين سيناء وغزة. وتقاطع ذلك مع إفادة مصادر في شبه الجزيرة الصحراوية (لمراسلنا زياد سلامة) بأن «سلفيي شمال سيناء تضامنوا مع إخوانهم في غزة بسبب حملة التضييق عليهم»، إضافة إلى أن «حماس ردت على إغلاق تلك الأنفاق الإستراتيجية (طول بعضها ثلاثة كيلومترات) بمنع دخول أي عناصر مصابين في عمليات عسكرية في سيناء، وخاصة الشيخ زويد، إلى غزة عبر أنفاق خاصة بالسلفيين». كذلك تنظر «ولاية سيناء» أيضاً بغضب إلى «حماس» بسبب الإجراءات التي اتخذتها الأخيرة لتأمين الحدود في ظل التسهيلات المصرية المتوالية بفتح معبر رفح بصورة جيدة خلال الشهرين الأخيرين.
في نهاية التحقيقات، تقول المصادر الأمنية إن ثمة توصيات ملحّة رُفعت إلى قيادة المقاومة تشدد على «خطورة تواصل الهاربين مع عناصر في غزة... يجب العمل سريعاً على تحصين أبناء الحركة من الانحراف الفكري وما يمكن أن يترتب عليه لا سمح الله». لكنّ السؤال الأهم: هل سيسير ملف القاتل وشركائه في القضاء إلى محاكمة عادلة، أم أن المشكلة محصورة في «التحصين من الاختراق»، ولا ضيم إن قُتل أحد بسبب أفكار يعتنقها ما دام عدد من أعضاء الخلية لا يزالون يوصفون بـ«الإخوة» في محاضر التحقيق، فيما المنتقدون يُنعتون بـ«المدعوّ»؟