دمشق | «بدأ بشتم عائلتي، وتكسير كل ما يقع أمام ناظريه... اختفى لبضع ثوان، ثمّ عاد ورشق السائل (الأسيد) على وجهي كالمجنون». هذا ما تقوله سامية، وهي تروي سيرتها، بعدما لجأت إلى إحدى الجمعيات المتخصصة بحماية النساء المعنّفات. بدأت الحكاية قبل خمس سنوات، في مدينة حلب، حين فوجئت سامية، بعد الزواج مباشرة، بأنّ زوجها لا يوفّر فرصة لتعنيفها لفظياً، باستخدام الشتائم، ليتحوّل هذا التعنيف، لاحقاً، إلى تعنيف جسديّ، ازداد حدّة «بعد زمن قصير من اندلاع المعارك في مدينة حلب» بحسب ما تقول سامية، لينتهي الأمر بأن يحرق نصف وجهها، باستخدام الأسيد، تاركاً إيّاها بندوب سترافقها طيلة حياتها.
الجمعية تكفلّت إعادة تأهيل سامية، نفسياً، وساعدتها على رفع دعوى الطلاق، غير أنّ سامية تراجعت عن الدعوى في اللحظات الأخيرة، ولا يستغرب كمال سلمان، محامي سامية، تراجعها عن القرار، هو المعتاد مواقف مماثلة، يرجعها إلى «مخاوف المرأة المجتمعية من الطلاق، وعجزها في كثير من الأحيان عن الانفصال، مهما بلغت درجة التعنيف الذي تتعرض له، بسبب عدم قدرتها على إعالة نفسها». الأمر الذي تؤكده إحدى الناشطات في جمعية أهلية تعنى بالنساء المعنفات، التي كانت على تواصل يومي مع امرأة نازحة إلى اللاذقية، من مدينة حمص: «لم يعد زوجها المضطرب، جرّاء النزوح وفقدانهم منزلهم، يتوانى عن ضربها ضرباً مبرحاً، لأتفه الأسباب، وصولاً إلى محاولة خنقها بشريط الهاتف عدّة مرات. ومع ذلك فهي لم تطلب الطلاق، لكونها غير موظفة، ولا معيل لها». أمّا ليلى، من دمشق، فلا تختلف حكايتها عن القصص المشابهة التي تفاقم حضورها في المجتمع السوري بعد الأزمة.

لا يتضمن قانون العقوبات أي مادة مستقلة تتعلق بالعنف الأسري
فالأزمة أوقفت زوج ليلى عن عمله، وأجبرته على ملازمة البيت، عاجزاً عن إيجاد عمل بديل: «تعرضنا لضائقة مادية كبيرة، وبات رجلاً غريب الأطوار، انفعاليا للغاية. وصار يرغمني على ممارسة الجنس بطرق لا تخلو من العنف، وكأنه ليس الرجل الذي تزوجته»، تقول.
يشرح كمال سلمان، الذي أسّس جمعية «نون»، المعنية بتقديم الحماية للنساء المعنفات، واقع الحال في سوريا اليوم، مشيراً إلى أنّ حالات التعنيف تضاعفت، أكثر مرتين، بسبب الأوضاع التي تمرّ بها البلاد. «اللافت هو أنّ النسبة الأكبر من الرجال الذين يعنّفون نساءهم، هم من ذوي التحصيل العلميّ العالي. قبل الأزمة كانت هذه الحالات تقتصر على أصحاب الشهادات المتدنية، باستثناءات قليلة»، يضيف.

اضطراب

يعزو المحلل النفسي، سليمان كاسوحة، أسباب ازدياد حالات التعنيف، حالياً، إلى «الاضطراب الناجم عن وقوع حدث رسمي خارج نطاق التجربة الاعتيادية اليومية»، إذ فجّرت الحرب «مشاعر العجز والرعب والإحباط، ما ولّد مشكلات يغلب عليها الطابع الاجتماعي، أبرزها العنف».
لا يوجد في قانون العقوبات السوري، وفقاً لدراسة قانونية للمحامية دعد موسى، أي مادة مستقلة تتعلق بالعنف الأسري، وهو بالنتيجة غير مجرّم، وإن كان القانون، على حد قولها، يعاقب في بعض مواده على الجرائم الواقعة في إطار الأسرة، ضمن الفصل المسمّى «الجرائم التي تمس الأسرة» من المواد 469 حتى 488. فالقانون، بحسب موسى، «جاء بمجمله محدداً للجرائم والعقوبات، وعاقب على جرائم الاعتداء على الأشخاص، ابتداءً بالذم والقدح والتحقير، مروراً بالضرب والاعتداء البدني وتشويه الأعضاء، وانتهاءً بالقتل. حيث يعاقب على الجنح والجنايات التي تقع على الإنسان، وتعرّض سلامته للخطر، ذكراً كان أم أنثى، بمعنى أن النساء اللواتي يتعرضن للاعتداء المعنوي، أو البدني، يستطعن اللجوء للمحاكم، وتقديم شكوى لإدانة من ألحق الأذى بهن، في إطار القانون العام».
إلا أن الواقع العملي، وفقاً لمصدر من داخل القصر العدلي في دمشق، أثبت ندرة لجوء النساء للشكوى ضد أب، أخ، ابن، زوج... وغيرهم. كل ذلك يحتّم، وفقاً لموسى، «إيجاد تشريعات رادعة لكل من يمارس العنف ضد النساء، وإيجاد تشريع خاص، يسمّى قانون الحماية من العنف الأسري، يتضمن تعريفاً واضحاً لهذا العنف، وتحديد المحكمة، بدرجة محكمة بداية، تنظر بقضايا العنف الأسري، وتحديد آليات تقديم البلاغات، والاستجابة الفورية لها. مع تحديد الإجراءات القضائية، الواجب اتباعها بنصوص قانونية».
التشريع وبرغم المطالبات الحثيثة، من قانونيين، لم يصدر حتى اللحظة، لتنحصر الإجراءات بتعميم أصدره وزير العدل، الدكتور نجم الدين الأحمد، بتاريخ 31/3/2014 أوجب فيه على قضاة النيابة العامة، الطعن في جميع القرارات والأحكام الصادرة بجرائم العنف ضد المرأة، في حال الحكم بالبراءة، أو عدم المسؤولية.


عنف حكومي

تؤكّد الدراسات الميدانية التي أجرتها العديد من الجهات الرسمية وغير الرسمية، أن امرأةً من كل أربع نساء، في سوريا، تتعرض للعنف، بأنواعه المختلفة (النفسي، القانوني، الجسدي، الجنسي). وبرغم ذلك، لا تتوافر، على الصعيد الحكومي الرسمي، أيّ خدمات تقدم للضحايا، ما عدا معاهد التنمية الاجتماعية، لإيواء للفتيات الجانحات، تحت سن 18، ولكن تتولى بعض المنظمات النسائية، والجمعيات الأهلية، في المقابل، تقديم المساعدة القانونية، والقضائية لضحايا العنف من النساء، بالتنسيق مع وزارة الشؤون الاجتماعية، وأبرزها مركز «راهبات الراعي الصالح»، الذي يحوي دار إيواء للنساء ضحايا العنف الأسري، بجميع أنواعه، و«هاتف الثقة» (مركز استماع، إرشاد نفسي، قانوني، واجتماعي، للنساء ضحايا العنف الأسري). القيمون على المركز رفضوا الإدلاء بأي تصريح رسميّ لـ«الأخبار»، برغم المحاولات المتكررة، بيد أن مصدراً، من داخل المركز، أكّد وجود زيادة كبيرة في حالات التعنيف بعد الأزمة، واتصالات مكثفة على خط الثقة.
الجرأة في إثارة الموضوع، وإخراجه من دائرة الصمت التي تحيط عادة بموضوع تعنيف النساء، هما ما تطالب بهما ناشطة تعمل مع عدة جمعيات تعنى بالموضوع، «قبل أن يورّث العنف» على حد تعبيرها، وهي المشرفة الآن على ملف امرأة تتعرض لتعنيف مزدوج، على يد زوجها أولاً، وولدها لاحقاً، بعدما اعتاد مشهد الضرب المبرّح والإذلال لوالدته.