في غمرة الحديث عن مستقبل العراق ما بعد "داعش" وتصاعد الجدل بشأن مشروع التقسيم، كشفت وثائق وصور مسرّبة عن انشغال حكومة إقليم كردستان (شمال العراق) بإنشاء خندق فاصل، يبدأ من الحدود السورية ويصل إلى مناطق وسط العراق، هدفه تجزئة "المناطق المتنازع عليها"، وضمّها إلى الإقليم ضمن مشروع إعلان الدولة الكردية.
وأشار مصدر من داخل كركوك، التي تمثل أبرز المدن المتنازع عليها، إلى أن "الخندق الذي بدأ حفره في ناحية ربيعة الحدودية مع سوريا، والتابعة لمحافظة نينوى، سيصل قريباً إلى قضاء طوزخورماتو وناحية سليمان بك، التابعتين إلى محافظة صلاح الدين"، موضحاً في حديث لـ"الأخبار" إلى أن الخندق "وصل، الآن، إلى قرية دبج التي تقع في أطراف القضاء المذكور"، أي قضاء طوزخورماتو.
وأكد المصدر أن الخندق الذي يمتد في المناطق "المتنازع عليها" بين حكومة بغداد وحكومة إقليم كردستان، "يمثل الحدود الجديدة لدولة كردستان المفترضة، على أن يصل إلى منطقة جلولاء قرب الحدود الإيرانية، أي بمعنى آخر أن الحدود تمتد من شمال غرب العراق حتى شرقه".
وعن تفاصيل "الخندق الفاصل"، أوضح المصدر أنه "سيكون بعمق ثلاثة أمتار وعرض ثلاثة أمتار، على أن يتم تزويده بأبراج مراقبة، أما حدوده فرُسمت بواسطة تقنية نظام تحديد المواقع (GPS)، وبمساعدة خبراء جغرافيين وعسكريين يتبعون التحالف الدولي، الذي تقوده الولايات المتحدة".
وبحسب وسائل إعلام عراقية، فإن الحدود التي تنفذها حكومة أربيل تجري بمشاركة خبراء من دول "التحالف"، من بينها 20 خبيراً جغرافياً من الولايات المتحدة وفرنسا، و25 خبيراً فنياً من أميركا، و40 مهندساً من بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة، إضافة إلى 60 مهندساً خبيراً في المتفجرات من الولايات المتحدة وألمانيا.
رفض نائب عن "التحالف الكردستاني" اعتبار أن ما تقوم به البشمركة أعمال سرية أو مشبوهة

ويقوم الخندق، بالأساس، على الفصل أو حسم مصير غالبية المناطق المشتركة، بضمها جميعاً إلى الإقليم، ذلك أنه يمر على المناطق ذات التركيبة السكانية المتعددة، والتي وصفها الدستورالعراقي بـ"المتنازع عليها"، منها بلدروز وخانقين في محافظة ديالى (شرق) وكفري و طوزخورماتو في محافظة صلاح الدين وغالبية مدن محافظة كركوك، ومخمور والحمدانية وتلكيف وسنجار في نينوى.
وتُبيّن صور نشرت، قبل يومين، أن الحدود الجديدة، أي الخندق فيما لو انجز في قضاء طوزخورماتو، فإن ذلك سيعني فصل القضاء عن محافظة صلاح الدين وضمه عملياً إلى الإقليم.
في هذا السياق، كشف النائب عن "التحالف الوطني" جاسم محمد جعفر أن "مشروع الخندق جرى البدء به منذ ثمانية أشهر، ضمن التغيير الذي تريد حكومة كردستان فرضه في خضم الحرب على داعش". وقال جعفر لـ"الاخبار"، إن "الخندق الذي يجري العمل عليه أثار القلق لدى المكوّنات التي تعيش في هذه المنطقة (نينوى وكركوك)، أي التركمان والعرب والمسيحيين والشبك والإيزيديين".
وسرعان ما جرى ربط المعلومات التي تشير إلى إنجاز قسم من "خندق الفصل" مع تقارير إعلامية تشير إلى اتفاق على إقامة الاستفتاء حول انفصال إقليم كردستان في شهر أيار من العام الحال (وهو الموعد ذاته لإنجاز الخندق وفق ما تشير المعلومات)، وذلك ضمن صفقة تدخلت فيها أنقرة ودول خليجية، تتضمن أيضاً مساعدة كردية لإقامة إقليم سني داخل العراق، على أن يجري قريباً اجتماعاً بين القيادات والأحزاب الكردية في أربيل، لبحث مسألة الاستفتاء. 
وكان زعيم إقليم كردستان مسعود البرزاني قد أكد في حديث سابق أن حكومته ستنظم استفتاء في كردستان، خلال أشهر، لتحديد الانفصال من عدمه، داعياً إلى احترام قرار الشعب الكردي.
ولم تصدر حكومة بغداد أي موقف بشأن المعلومات المتداولة حول الخندق، كما لم يتسنّ لـ"الأخبار" الحصول على موقف رسمي بهذا الاتجاه، فيما رفض النائب عن "التحالف الكردستاني" ريناس جانو اعتبار ما تقوم به قوات البشمركة، التابعة لحكومة الإقليم، على أنه أعمال سرية أو مشبوهة.
وقال جانو، لـ"الأخبار"، إن "الخطط العسكرية متنوعة وكيفية الحفاظ على المناطق المحررة تحتاج طرقاً مختلفة "، وذلك في إشارة منه إلى أن الخندق ــ السور، موجه ضد جماعات "داعش"، لكن جانو أشار إلى أن "طموحات الإقليم وشعبه في تقرير المصير ليست خفية على أحد"، إلا أنه أضاف "لكننا نريد أن يكون طلب الانفصال ضمن الأطر القانونية والدستورية السلمية، كما حدث في غالبية الدول، وبالتنسيق مع حكومة بغداد". وقال "لا نفكر بعلاقة عدائية حتى في حالة جرى تحقيق هذا الانفصال".