غزة | لا يكاد يغفو المواطن الفلسطيني في غزة على خبر فرض ضريبة جديدة حتى يصحو على خبر مشابه بفرض رسوم جديدة، إلى أن صار «كلاكيت» يتكرر في مشهد القطاع المدمر والمحاصر، بعدما شهدت القضية جدلاً واسعاً حول الضرائب التي فرضت أخيراً وعرفت باسم «ضرائب التكافل»، ولقيت غضباً شعبياً واسعاً وصل إلى صفوف التجار والمستوردين، ما دفع كثيرين إلى التوقف عن الاستيراد.وخيم ركود حاد على معارض بيع السيارات في قطاع غزة منذ يومين مع إعلان مستورديها مساء السبت الماضي تعليق أنشطتهم حتى إشعار آخر إثر فرض ضرائب إضافية عليهم. ويحتج هؤلاء على قرار وزارة النقل والمواصلات في غزة فرض ضريبة «القيمة الجمركية» بقيمة 25 في المئة من سعر كل مركبة يجري استيرادها.

وكان المجلس التشريعي، الذي تعقد جلساته كتلة «حماس» البرلمانية وسط مقاطعة الكتل الأخرى، قانوناً مثيراً للجدل تفرض بموجبه رسوم تصل حتى عشرة في المئة على المواد المستوردة، وفي مقدمتها السلع الاستهلاكية التي وصفتها بـ«السلع الكمالية»، منها الفواكه، واللحوم، وأصناف من الخضروات.
رفض عام لاستخدام «نص القانون» في تحصيل الضرائب بالقوة

وفي خطوة مفاجئة، دقّت بلدية غزة أبواب المواطنين لتخطرهم بالتوجه إلى المحكمة لتسوية مستحقاتهم المالية بشأن المياه والخدمات، وإلا فسيتخذ بحقهم إجراءات عقابية تتمثل في حجز ممتلكاتهم وأموالهم، وهي خطوة تعد مستغربة وفيها هجوم شديد على المواطنين في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، إذ يشير تقرير أخير للبنك الدولي إلى أن نسبة البطالة في القطاع هي الأعلى في العالم، إذ سجل أن أكثر من 60% من ساكنيه «خارج نطاق العمل».
كذلك علمت «الأخبار» أن إخطارات حجز الممتلكات والأموال وصلت إلى موظفين يعملون في حكومة «حماس» السابقة، مع أنهم لا يتقاضون سوى سلف مالية كل شهرين وهم على هذه الحالة منذ عشرة أشهر، بل أخطرت بلدية غزة نفسها عدداً ممن دمرت منازلهم في الحرب الأخيرة، على أنه لا يعلم ما الذي سيصادر منهم بالضبط في ظل فقدانهم بيوتهم، وهي خطوة مكملة لما جرى في نيسان الماضي حينما طلب من أصحاب كرفانات (بيوت حديدية تؤوي النازحين) دفع ثمن الكهرباء والماء.
مراسل «الأخبار» التقى المواطن أبو محمد عروق، أحد الذين وصلهم هذه الإخطارات، وكان يعتلي وجهه ذهول كبير وهو يتساءل عن كيفية دفعه المستحقات وهو لا يملك عملاً وليس لديه ما يطعم به أبناءه من الأصل.
صورة عن أحد الإخطارات التي أرسلتها بلدية غزة | للطلاع على الصورة المكبرة انقر هنا

وتسوق «حماس» وأجهزتها التنفيذية في غزة مبرراتها بفرض الضرائب، بأن حكومة التوافق في رام الله لا تؤدي دورها في الإنفاق على قطاع غزة، كما تعلق عجزها عن صرف رواتب الموظفين في حكومتها السابقة بالجباية من المواطنين.
مواطنون كثيرون ممن كانوا يعترضون على موظفي البلدية الذين أتوا لتسليمهم الإخطارات، طالبوا بإيصال المياه بانتظام إلى بيوتهم قبل أن تطالب البلدية بحقوقها، ولكن مدير الإعلام في بلدية غزة، حاتم الشيخ خليل، علل ذلك بانقطاع الكهرباء وعدم توافر السولار اللازم لتشغيل المولدات البديلة.
أكثر من ذلك، فإن مواطني مخيم الشاطئ والشيخ رضوان في غزة يشتكون مرارا من وصول مياه مخلوطة بمياه «الصرف الصحي»، في ظل أن برنامج الأمم المتحدة لجودة البيئة أعلن أن نحو 95% من المياه التي تصل إلى القطاع غير صالحة للشرب، بل أكد الحاجة إلى 20 سنة على الأقل من أجل ترميم شبكة المياه الجوفية في غزة.
قضية أخرى أثارت حنق المواطنين منذ شهرين، فمع دخول موسم الصيف بما يمثله كفرصة للمتعطلين عن العمل كي يبحثوا عن مشروع صغير يضمن لهم دخلاً بسيطا، فإن الضرائب لاحقتهم أيضا، عبر الوزارات التي تتلقى أوامرها من «حماس» حتى هذه اللحظة.
وأجبرت بلدية غزة أصحاب البسطات في ميناء غزة، الذي يعد رافداً رئيسياً للتنزه في المدينة، على دفع ضريبة مقابل السماح لهم بالعمل في مكان خصصته البلدية لأصحاب هذه البسطات. ويشتكي الشاب محمد أبو كويك وهو خريج جامعي من هذه الضريبة، متسائلا: «ما الذي نجنيه كي ندفع ضرائب على بسطة صغيرة، ولم الضرائب إن كانت الحكومة لم توفر لنا فرص عمل؟».
وتبلغ نسبة الفقر في قطاع غزّة 65 في المئة، وفقاً لإحصاءات الرّبع الأخير من عام 2014، التي أوردها الجهاز المركزيّ للإحصاء الفلسطيني عبر موقعه في الثاني عشر من شباط الماضي.
كذلك أثار تعرض بلدية غزة لبسطة الطالب الجامعي أحمد أبو عاصي وتخريبها له بعد مصاردتها منه جدلاً كبيراً بين مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، فأطلق ناشطون هاشتاغ #روتس_الغلابة، وهو الاسم نفسه الذي حملته اسم بسطة «أبو عاصي» حيث كان يبيع الذرة عليها.
ويأتي هذا مع أن الشيخ خليل، وعد في تصريحات صحافية بأن البلدية ستراعي ذوي الدخل المحدود، وأن من جرى إخطارهم هم من أصحاب الدخل المتوسط.
ويحذر مختصون اقتصاديون من تأثير فرض الضرائب على الحياة الاقتصادية في غزة، منهم مسؤول الإعلام في «الغرفة التجارية» ماهر الطباع، الذي يرى أن فرض رسوم ضرائب إضافية على التجار والمستوردين «من شأنه أن يزيد الأعباء المالية على كاهل المواطنين في ظل الارتفاع القياسي لمعدلات البطالة والفقر بوضع غير مسبوق».
وقال الطباع، إن الضرائب «ستؤدي إلى زيادة الكساد التجاري في غزة، وخاصة أن أكثر من مليون شخص في القطاع يعتمدون على المساعدات من المؤسسات الدولية وهو ما يمثل أكثر من 60 في المئة من إجمالي السكان»، كما يؤكد أن تطبيق رسوم ضرائب جديدة دون إعطاء فرصة للتجار والمستوردين لمراجعة صفقاتهم «سيؤدي إلى تكبيدهم المزيد من الخسائر لأنهم يجرون حسابات مسبقة لمقدار الربح والخسارة ويستوردن بضائعهم عليها».
يشار إلى أن «الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان» دعت الجهات المسؤولة في غزة إلى وقف فرض الضرائب والرسوم على المواطنين خاصة التي تمس مباشرة حقوقهم الاقتصادية وتمتعهم بمستوى معيشي لائق في ظل أوضاع متردية.