سيناء | ما بين وعود بالتعمير ومكافحة الإرهاب، لم تجن سيناء بعد مرور عام على وصول عبد الفتاح السيسي إلى قصر الاتحادية في القاهرة، سوى مزيد من القتل والتدمير، وهي نتيجة لم تنفصل عن عامين من حكم الرئيس الإسلامي محمد مرسي والرئيس المؤقت عدلي منصور. ففي عهد مرسي (30 حزيران 2012 ــ 3 تموز 2013)، شهدت سيناء خمسة اعتداءات أوقعت 23 قتيلاً و8 مصابين واختطاف 7 من جنود الجيش وقوات الأمنية المصرية، فيما زادت وتيرة العمليات بعد عزل مرسي، إذ شهد حكم منصور (3 تموز 2013 - 8 حزيران 2014) 27 حادثاً، أوقعت 79 قتيلاً و161 مصاباً. هذه الأرقام قفزت في عام حكم السيسي لتسجل وقوع 65 عملية أوقعت 197 قتيلاً و918 مصاباً.
ومع نافلة القول بأن السيسي لا يفكر إلا بالقوة سبيلاً للحل في سيناء ــ على تعليق قضية التنمية بيد العسكر أيضاً ــ فإن الرجل الذي زار قناة السويس الجديدة ثلاث مرات خلال عام من حكمه، توقف موكبه على حدود الضفة الشرقية من القناة دون التقدم صوب سيناء، التي يبكي أهلها على أطلال الوعود الوردية بالتنمية والتعمير والتغيير إلى الأفضل!
ومثلما غابت سيناء عن فكر السيسي، فإن ما عرفه منها هو شرم الشيخ فقط، إذ غُيب شمالها ووسطها وجزء من جنوبها عن المحافل المهمة، حتى عن المؤتمر الاقتصادي الذي استضافته جنوب سيناء، ولا سيما أنه جرى استبعاد المشروعات التي تقدم بها محافظ شمال سيناء، اللواء عبد الفتاح حرحور، كما لم يطرح اسم الشمال في خريطة المشروعات التنموية والاقتصادية، بل استمر تهميشها والتضييق الأمني عليها وحصرها في زاوية المناطق التي تشهد الحرب على الإرهاب، مع أن ما أُعدّ لها سابقاً كان عكس ذلك.
قفزت أرقام القتلى والمصابين من الأمن في السنة الأولى للسيسي

وتشهد مدن شمال سيناء، من لحظة تولي السيسي مقاليد الحكم، عمليات قتل واسعة على أيدي الطرفين ــ الجيش والمجموعات المسلحة ــ مع استمرار عمليات الاختطاف والاعتقال التي تطاول النساء والرجال والأطفال.
وعلى أن اثنين لا يختلفان على أن المجموعات المسلحة، وخاصة «ولاية سيناء» التي تعلن نفسها فرعاً لتنظيم «داعش» في مصر، تقود اعتداءات إجرامية وإرهابية ضد الجيش والناس، فإن الإعلام ينزوي كثيراً عن الحديث عن انتهاكات الجيش في شمال سيناء، وخاصة في القتل العشوائي لأي مشتبه فيه والاستهداف الكامل للبنى التحتية، وهو ما أدى إلى انتشار حالة احتقان بين أهالي سيناء، وخاصة أن أي مشتبه فيه لا بد أن يجرى توقيفه قانونياً لا قتله.
ولا يحمل أبناء سيناء الكثير من الحب، كما يبدو، تجاه القاهرة ورؤسائها، ومنهم السيسي الذي قال لقادة الجيش ذات مرة عبر التلفاز: «حاصر رفح وحاصر الشيخ زويد، وخرج الناس وكسر البيوت»، وهو ما أعقبه اعتداءات كثيرة على المدنيين فى شمال سيناء أثناء تطبيق حالة الطوارئ خلال الأشهر الستة الأولى منها، من 25 تشرين الأول 2014 حتى 25 نيسان 2015.
في المقابل، فإن جماعة «الإخوان المسلمين» وما يتبعها أو يؤيدها من إعلام محلي أو عربي، لا ترى في مظلمة سيناء سوى محطة لانطلاق العمليات ضد الجيش المصري، على أن ذلك دوامة عنف مستمرة تأتي نتائجها على رؤوس الأهالي هنا.
وتؤكد وحدة «المرصد المصري للحقوق والحريات ــ فرع شمال سيناء»، أن كمية الانتهاكات المرتكبة بحق المدنيين فى شمال سيناء في الأشهر الستة الأولى لتطبيق حالة الطوارئ خلال حكم السيسي، فاقت ما ارتُكب في عام كامل منذ بداية ما يسمى الحرب على الإرهاب، وتحديداً في أيلول 2013، إذ جاءت خسائر أبناء قبائل شرق العريش ورفح والشيخ زويد كالآتي: حرق عشش للبدو 1740 عشة، وتدمير وحرق منقولات مادية خاصة بالمدنيين 1837 (566 سيارة، و1271 دراجة بخارية).
وفوق كل ذلك، توجت مأساة الأهالي بتدمير أجزاء كبيرة من مدينة رفح والبيوت على الحدود مع قطاع غزة، في ما عرف بخطة المنطقة العازلة. وبلغ عدد الأفراد المهجرين قسراً على مرحلتين نحو 21 ألفاً و392، فيما بلغت مساحة المنطقة المهجرة 1000 متر عرضاً، و13.5 كم طولاً، دمر فيها 2084 منزلاً لقرابة 3056 عائلة.
وبتوجيهات من السيسي، مضت السلطات قُدماً بعمليات الإخلاء متجاهلة الضمانات الرئيسية التي يقتضيها القانون الدولي، بما فيها إجراء عمليات تشاور مع السكان، وإعطاؤهم مهلة كافية وتقديم تعويضات كافية عن الخسائر التي لحقت بهم، وتوفير مساكن بديلة لأولئك الذين لا يستطيعون توفيرها لأنفسهم، الأمر الذي يجعل عمليات الإخلاء تلك غير قانونية.
ويعلق خبير التنمية المتكاملة، قدري يونس العبد، بأن أرقام الضحايا والحلول الأمنية تعقد الأزمة لا تحلها، مضيفاً أن «حالة الطوارئ استخدمت لأهداف سياسية غير ذات صلة بالمحافظة على الأمن القومي أو حالة المدنيين في شمال سيناء، وشاهد الجميع العنف الذي أقدمت عليه قوات الجيش خلال تعاملها مع المدنيين في إطار حالة أشبه بالثأر لضحايا العمليات الإرهابية».




أبرز العمليات ضد الجيش والأمن في «سنة السيسي»

شهدت السنة الأولى لعبد الفتاح السيسي عدة اعتداءات تكبدت فيها قوات الجيش والشرطة خسائر فادحة في الأرواح والمعدات، أبرزها ما وقع في 28 حزيران 2014 ، التي عرفت بمذبحة رفح الثالثة على الحدود بين مصر والأراضي المحتلة، وأدت إلى مقتل أربعة من جنود الأمن المركزي، في أولى ليالى شهر رمضان.
وفي 24 تشرين الأول 2014، جاءت الصدمة بعملية كرم القواديس التي قتل 33 من جنود الجيش والأمن في هجومين منفصلين تبنتهما جماعة «أنصار بيت المقدس ــ ولاية سيناء»، واعتبرت من أكثر العمليات دموية، إذ راح ضحية العملية الأولى التي وقعت في الشيخ زويد 30 جندياً، فيما قتل 3 آخرون في بالعريش، الأمر الذي دفع السيسي إلى إعلان حالة الطوارئ في المنطقة.
وفي 20 تشرين الثاني 2014، وقع «انفجار العريش» الذي قتل خلاله 10 جنود وأُصيب 35 آخرون جراء سيارة مفخخة استهدفت موكب حافلات عسكرية، تقل جنوداً على طريق «العريش ــ رفح»، كانت في طريقها إلى القاهرة.
في مساء الخميس 29 كانون الثاني 2015، قتل 30 عسكرياً مصرياً وأُصيب 80 آخرون، جراء سلسلة هجمات شنها مسلحون بسيارة مفخخة وقذائف هاون، استهدفت الكتيبة 101 التابعة للجيش في العريش، وتبنت «ولاي سيناء» سلسلة الهجمات عبر حسابها الرسمي على «تويتر».