لم تخرج «هدنة» أمس في حلب بجديد عن سابقاتها في خلال الشهر الماضي، إذ بقيت المعابر خالية من العابرين، ولم يغادر الأحياء الشرقية أي مدني أو مسلّح، في خلال ساعات التهدئة العشر. وتكرّر أيضاً مشهد استهداف المعابر من قبل الفصائل المسلحة التي قصفت معبر الكاستيلّو بعدة قذائف صاروخية، أدت إلى إصابة مراسل قناة «الإخبارية السورية» وعسكريين روسيين، بجروح طفيفة.وتزامنت «الهدنة» مع استمرار الاشتباكات على محاور المدينة الغربية في مشروع 3000 ومنيان وضاحية الأسد، التي تمكّن الجيش السوري وحلفاؤه من ضبط إيقاعها ومنع أي خرق من جانب مجموعات «جيش الفتح» في خلال اليوم الثاني لمعارك «المرحلة الثانية» من «غزوة أبو عمر سراقب».
الشعب السوري سيقرر مصيره حتى لو فُرض بقاء الأسد

وعلى عكس الهدن السابقة، بدا لافتاً الصمت السياسي لمعظم العواصم ذات الشأن في الملف السوري، عن التعليق على «الهدنة» اليوم، باستثناء تأكيد الأمم المتحدة أنها «غير معنية بإجلاء أي مدنيين من أحياء المدينة». وقد تكون ترجمة ما سبق في التصريحات التي سبقت إعلان «الهدنة» من الجانب الروسي، وتحديداً وزير الدفاع سيرغي شويغو، الذي أعلن بوضوح أن «احتمالات البدء بتسوية سياسية أُرجئت إلى أجل غير مسمى».
ومع انكفاء الغطاء الجوي الروسي في خلال معارك المحور الغربي في حلب، برغم تنفيذه لغارات في مناطق أخرى من سوريا مثل ريف إدلب، ظهر إصرار الجيش السوري وحلفائه على حماية المدينة، بعيداً عن مناورات السياسة. وبالتوازي مع اقتراب مجموعة السفن الروسية من الوصول إلى سواحل شرق المتوسط، تبقى الاحتمالات مفتوحة حول ما ستقدم عليه موسكو في ضوء فشل مبادرات «التهدئة» مع الفصائل المسلحة التي رفضت فك ارتباطها بـ«جبهة النصرة»، وتقويض مبادرات «التعاون» مع الدول الغربية. وكان المتحدث باسم الأمم المتحدة ينس لايركه قد رأى أن «العمليات الإنسانية لا يمكن أن تكون مشروطة بمبادرات سياسية أو عسكرية»، مضيفاً أن «ما نحتاجه حقاً في حلب هو دخول المساعدات الضرورية لإنقاذ الأرواح، وعلى كل الأطراف مسؤولية اتخاذ الإجراءات الضرورية».
وبعيداً عن حلب، تمكن الجيش السوري من التقدم في الغوطة الغربية على المحور الشمالي ــ الشرقي لبلدة خان الشيح، وسيطر على قرية البويضية ومنطقة جامع التقي ومحيطه.
وعلى صعيد آخر، أوضح عضو «الهيئة العليا للمفاوضات» المعارضة جورج صبرا، أن ألمانيا تعتزم استضافة مؤتمر دولي حول سوريا، لإعادة إحياء الجهود على المسار السياسي. وجاء كلامه عقب لقاء وفد من «الهيئة» يرأسه منسقها العام، رياض حجاب، مع وزير الخارجية فرانك فالتر شتاينماير، ومستشار الأمن القومي الألماني كريستوف هويسغين. وانتقد شتاينماير بدوره «الهدنة» الروسية، لكونها لا تكفي لإخراج المصابين والجرحى، أو لإدخال المساعدات الإنسانية إلى المدينة.
إلى ذلك، رأى رئيس الوزراء الروسي ديميتري مدفيديف، أن الحل السياسي في سوريا، غير مرتبط بمصير الرئيس بشار الأسد، مشدداً على ضرورة ضمان مستقبل سورياً وعدم السماح بتفككها. وأضاف أن هذه القضية لا تتصل بمصير زعماء معينين، وخاصة الرئيس الأسد، برغم أنه «رئيس شرعي على رأس عمله» ويجب أن يشارك في هذه العملية. وأوضح أن العرقلة على مسار تسوية الأزمة السورية تتمثل في صعوبة «الفصل بين المعارضة المعتدلة والإرهابيين»، مشيراً إلى أن هناك «جدالاً ساخناً» في هذا الموضوع تخوضه بلاده مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية.
ومن جانب آخر، رأى مستشار وزير الدفاع السعودي، أحمد عسيري، في خلال مقابلة مع قناة «CNN» الأميركية، في معرض رده على سؤال عن تصوّره لحل الملف السوري، أن «الوضع أصبح صعباً جداً، لأننا تأخرنا، وضيّعنا الكثير من الفرص لهزم النظام والميليشيات، والآن علينا التوصل إلى حلول مبتكرة». وأوضح عند سؤاله عمّا إذا كانت اليد العليا اليوم للرئيس السوري بشار الأسد، أن «الشعب السوري سيكون لديه اليد العليا، حتى لو فرض أي اتفاق بقاء الأسد، فبنهاية اليوم ستكون الكلمة للشعب، وأنت تعرفين أن الشعب هو من يقرر مصيره».
(الأخبار، أ ف ب، رويترز)