يبدو أن إسرائيل مصممة على التناغم مع الجماعات السلفية في غزة التي باتت تتبع تكتيك استدراج ضربات إسرائيلية كجزء من مواجهتها ضد حركة «حماس». فبرغم حضور خلفية الجهات التي تقف وراء عمليات إطلاق الصواريخ، واصلت إسرائيل الرد بالقصف في غزة، ولكن القصف الأخير الذي لم يكن على مستوى وعدد الغارات في الخرقين الماضيين للتهدئة، قوبل هذه المرة بالوصول إلى مرحلة إغلاق المعابر، إذ يبدو أن إسرائيل تهدف بهذه الخطوة إلى رفع مستوى الضغوط على «حماس» من أجل إنهاء ظاهرة «تنقيط الصواريخ»، وأيضاً دفع الجميع إلى حصر دائرة الصراع بينهم داخل القطاع.
لم تكتف إسرائيل باعتداءات سلاح الجو لإيصال رسائلها، بل قرنتها هذه المرة على لسان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بالتشديد، أمس، على أن «إسرائيل تعتبر حماس مسؤولة عن أي إطلاق نار من قطاع غزة على أراضينا». وبرغم أن الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، استنكر الأسبوع الماضي، الهجوم الصاروخي، ودعا «كل الأطراف إلى تجنب المزيد من التصعيد»، فإن نتنياهو انتقد المجتمع الدولي «الذي لم يدل بأي موقف يدين إطلاق النار ضد إسرائيل، وتحديداً في الأمم المتحدة لم يقولوا شيئاً».
المعادلة التي تتبلور بفعل صواريخ معادية لـ«حماس» ترد عليها إسرائيل بالضغط على الحركة، وهذا يكشف مدى تداخل وتعقيد المشهد بين إسرائيل وغزة، فمن جهة لا يريد الطرفان في التصعيد في هذه المرحلة، ويحاولان قدر الإمكان تجنبها، وفي الوقت نفسه لا تريد إسرائيل الامتناع عن الرد حتى لا يدفع ذلك الأطراف الأخرى إلى التجرؤ أكثر وزيادة وتيرة إطلاق الصواريخ.
في هذا السياق، أوضح مصدر أمني إسرائيلي أن «الوضع معقد بما فيه الكفاية، فمن جهة نريد حماس ضعيفة ولا تتعاظم قدراتها، ومن الجهة الأخرى نريدها قوية بما يكفي من أجل إحباط العمليات الإرهابية مثل إطلاق الصواريخ ضد إسرائيل». وأضاف المصدر أن «قطاع غزة قد يكون مفصولاً جغرافياً عن بقية الأحداث في الشرق الأوسط، لكنه ليس مفصولاً أيديولوجياً»، في إشارة إلى الجماعات السلفية، التي قالت بشأنها إن فكرة «الدولة الإسلامية» التي تقودها «داعش» آخذة بالتسارع في غزة، مع تأثير الأحداث في سيناء.
يشار إلى أن وزير الأمن الإسرائيلي، موشيه يعلون، أعلن أنه بعد إطلاق الصواريخ أُغلق معبر بيت حانون ــ إيريز (شمال القطاع) ومعبر كرم أبو سالم (جنوب القطاع) باستثناء الحالات الإنسانية في المعبر الأول المخصص للأفراد. ويأتي إغلاق المعبرين بين القطاع والأراضي المحتلة من دون تحديد مدة لإغلاقهما، مترافقاً مع استمرار السلطات المصرية في إغلاق معبر رفح البري، وقد أوضح المتحدث باسم جيش العدو أن قرار إعادة فتح المعبرين سيتخذ وفق اعتبارات أمنية.
وبالتزامن مع حضور العامل الأمني من زاوية غزة، أظهر استطلاع رأي جديد ــ سينشر في مؤتمر هرتسيلياه الذي افتُتح صباح أمس ــ أن 82% من الإسرائيليين يتوقّعون جولة أخرى من القتال ضدّ حماس، فيما يعتقد نحو نصف الإسرائيليين أنّ إسرائيل ستنتصر في جولة كهذه.

أغلق معبرا بيت حانون وأبو سالم أمس سوى للحالات الإنسانية

ميدانياً (الأخبار)، أغارت الطائرات الإسرائيلية فجر أمس، بثلاثة صواريخ على موقع فلسطين التابع لـ«كتائب القسام» (الجناح العسكري لحماس) في غزة. وجاءت الغارة رداً على سقوط «قذيفة صاروخية» أُطلقت من القطاع على مدينة عسقلان التي تبعد 40 كيلومتراً عن غزة، وقد تبنت «سرية الشهيد عمر حديد ــ بيت المقدس» الموالي لـ«داعش» إطلاق الصاروخ، وذلك في إطار الضغط على «حماس» لإطلاق سراح معتقليها ووقف حملتها على السلفيين هناك.
وكانت «حماس»، التي لا يتوقع مراقبون أن تتخذ غير القوة طريقة للحل مع «داعش» في غزة بعد إخفاق «الأسلوب الدعوي»، قد بدأت منذ مدة عمليات دهم لمنازل أنصار «داعش» بعد عمليات تفجير عدة نفذها هؤلاء واستهدفت مراكز حكومية في القطاع.
بالتزامن مع ذلك، قال قيادي في «السلفية الجهادية» اسمه أبو العيناء الأنصاري، لصحيفة محلية، إن «الجماعات السلفية الجهادية في حل من التهدئة (مع العدو) وستواصل إطلاق الصواريخ ضد أهداف صهيونية»، وأضاف: «هدفنا ليس جر شعبنا لحرب جديدة ولكننا نطلق الصواريخ درءاً لفتنة أكبر بالانجرار لاقتتال داخلي مع حماس». وهدد الأنصاري بأن إطلاق الصواريخ سيتواصل وأن الهدنة ستحبط ما دامت «حماس» لم تقبل شروطهم للإفراج عن جميع المعتقلين وتوقف الملاحقات.
وبسبب تكرار عمليات إطلاق الصواريخ على الأراضي المحتلة، أعلن الجيش الإسرائيلي أمس، نشره بطارية «قبة حديدية» جديدة، هي الثالثة خلال يومين، ضمن منظومة «القبة الحديدية» للتصدي للصواريخ، وذلك على الحدود مع القطاع. وقال مصدر عسكري مسؤول لإذاعة جيش الاحتلال، إن «سلاح الجو، نشر بطارية جديدة للقبة الحديدية في جنوبي البلاد».
في سياق متصل، استنكرت اللجنة الشعبية لرفع الحصار عن غزة إغلاق إسرائيل معابر القطاع. وقالت اللجنة في بيان أمس، إنه «لا يجوز إغلاق المعابر تحت أي مبرر سياسي أو أمني، وعلى المجتمع الدولي أن يتدخل لفتح معابر القطاع كافة».
في غضون ذلك، أعلن جيش الاحتلال أمس، نيته الشروع في تدريب عسكري على حدود غزة يحاكي التصدي لهجوم معاد. وأضاف بيان للجيش أن التمرين «يأتي في سياق التدريب السنوي، وسيجري بالتعاون بين مختلف الأجهزة الأمنية الإسرائيلية وقوات الجيش»، من دون ذكر تفاصيل إضافية عنه.





صواريخ «داعش غزة» في حلبة التنافس الإسرائيلي الداخلي
لقي إطلاق الصواريخ من غزة، للمرة الثالثة، على الأراضي المحتلة، ردود فعل سياسية متعددة في إسرائيل، إذ اعتبر عضو الكنيست عن حزب «يوجد مستقبل» عوفر شيلح، أنه «بغض النظر عن الجهة التي أطلقت الصواريخ من غزة، فإن حماس هي المسؤولة أمامنا وستدفع الثمن». وهو ما ذهب إليه ايال بن رؤوبين عن حزب «المعسكر الصهيوني» الذي قال إن «حماس ليست جادة في منع إطلاق الصواريخ، وعلى ما يبدو أنها لا تستطيع السيطرة على المجاهدين، وهذا ما يدفعنا إلى توفير الأمن لمواطنينا في غلاف غزة في أقرب وقت ممكن مهما كلف الأمر».
أما رئيس المعارضة الإسرائيلية و«المعسكر الصهيوني»، يتسحاق هرتسوغ، فذهب إلى تصعيد الموقف والمزاودة على حكومة بنيامين نتنياهو، إذ قال أمس، إن «من الضروري العمل بكل قوة من أجل إظهار أن هذا الأمر (إطلاق الصواريخ) غير مقبول». واقترح هرتسوغ «العمل ضمن ثلاثة مستويات: الأول الدفاع، عن طريق نشر قوات من جديد في منطقة غلاف غزة، لأن هناك تخوفاً عند سكان غلاف غزة الذين يسمعون أصوات الحفر وهم يدركون مبادرات حماس». والثاني هو الردع، إذ يعتقد هرتسوغ أنه يجب توجيه ضربات قاسية، أما الثالث فهو مبادرة جادة، «أي إننا نقدم تسهيلات مقابل عملية دخول السلطة للداخل ونزع السلاح من القطاع... هذا سيكون معقولاً إذا عملنا بطريقة صحيحة في الساحة السياسية».
في المقابل، أكد رئيس اللجنة السياسية والأمنية في وزارة الأمن، الجنرال عاموس جلعاد، في مقابلة مع القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي، أن «حماس» تريد التوصل إلى هدنة تستمر مدة طويلة لكنها قد ترغب في «صيف ساخن». وأوضح جلعاد أن إسرائيل «حققت الردع بعد عملية الجرف الصامد وجعلت حماس أكثر تمسكاً بالهدنة وفعل كل شيء لمنع إطلاق الصواريخ على إسرائيل»، ونقل أن لدى إسرائيل معلومات استخبارية تؤكد أن الحركة «ستعمل كل ما هو ممكن للحفاظ على وقف إطلاق النار لأشهر طويلة وربما لسنوات».
إلى ذلك، كشف نائب وزير الأمن الإسرائيلي، إيلي بن دهان، أن إسرائيل تنظر في إمكانية وقف نقل مواد البناء باستمرار إلى غزة. وأضاف بن دهان، الذي كان يتحدث لإذاعة الجيش، أن إسرائيل قد تضطر إلى إغلاق معابر غزة كلياً إذا استمر إطلاق الصواريخ.
(الأخبار)