لم تؤدّ الاشتباكات التي شهدتها جبهات حلب وريفها أمس إلى تغييرات ملموسة في خريطة السيطرة، خاصة على جبهة منيان وضاحية الأسد، جنوب غرب المدينة. ومع إعلان المجموعات المسلحة انتهاء المرحلة الأولى من «غزوة أبو عمر سراقب» والبدء بالمرحلة الثانية، استطاع الجيش السوري والحلفاء تثبيت نقاطهم في الأكاديمية العسكرية وشنّ هجمات مضادة على محور «منيان»، وتفيد مصادر متابعة بإمكانية استعادة زمام المبادرة على كل المحاور في اليومين المقبلين.
وفي انتظار ما ستفرزه معارك الميدان من نتائج، يبدو لافتاً تصريح وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، الذي قال فيه بشكل صريح إن فرص التوصل إلى تسوية سياسية للنزاع أصبحت «بعيدة» ضمن الظروف القائمة.
ويأتي الحديث عن غياب الأفق السياسي بعد أيام قليلة على لقاء ثلاثي روسي ــ إيراني ــ سوري في موسكو، خرج عنه ما يشير إلى تغييرات ميدانية مهمّة قد تشهدها الساحة السورية قريباً. وضمن هذا الإطار، تأتي زيارة رئيس الأركان التركي خلوصي آكار لموسكو بدعوة من نظيره الروسي فاليري غيراسيموف، لتكمل المشاورات الإقليمية التي عادة ما تسبق أي مفترق سياسي أو ميداني.
وفيما أعلنت وزارة الدفاع الروسية أن رئيسي أركان البلدين ناقشا الوضع في شمال سوريا، إلى جانب مستجدات الحدود السورية ــ العراقية، فإن زيارة آكار قد تشهد ترسيماً جديداً لمعطيات ريف حلب الشمالي، في ضوء تصعيد دمشق وحلفائها تجاه أنقرة، وتحذيراتهم من استهداف الطائرات التركية التي تساند فصائل «درع الفرات».
وقد يسعى آكار لدى موسكو للخروج بآلية تضبط إيقاع المنطقة العسكري بما يسمح لتركيا باستكمال ما بدأته، من دون الغوص في احتمالات مواجهة غير محسوبة، خاصة أن أنقرة تعاملت بكل جدية مع «رسائل» التحذير، وعلّقت تحليق طائراتها فوق الأراضي السورية منذ 22 تشرين الأول الماضي، بعدما فعّلت القوات السورية أنظمة الدفاع الجوي في نطاق ريف حلب الشمالي، وفق ما نقلت صحيفة «حرييت» التركية عن مصادر عسكرية.
وضمن هذا الإطار، أوضح نائب رئيس الوزارء التركي نعمان قورتولموش، أول من أمس، أن بلاده «تلجأ إلى الحوار والديبلوماسية عندما تظهر مشاكل إضافية»، موضحاً أن «القوات التركية تساعد "الجيش السوري الحر" في حربه ضد تنظيم "داعش" و"وحدات حماية الشعب" الكردية، وليس لقتال أي جهة أخرى».
خوجا: لا يمكن رفض مساعدة «النصرة» في حلب

وضمن سعي أنقرة لتعزيز عملية «درع الفرات» التي تعثرت أمس مع استعادة «داعش» السيطرة على عدد من القرى جنوب دابق في ريف حلب الشمالي، التقى أمس وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، ورئيس وزرائه عبدالله بن ناصر بن خليفة، خلال زيارة يجريها للإمارة. كذلك اجتمع على نحو منفصل، لاحقاً، مع نظيره القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، ورئيس «الهيئة العليا للمفاوضات» السورية المعارضة، رياض حجاب.
وعلى صعيد آخر، أوضح وزير الدفاع الروسي خلال اجتماع مع كبار القادة العسكريين، أن «التحالف الدولي يعرقل العملية العسكرية الروسية، ولا يتحرك بشكل منسّق... نتيجة لذلك، فإن احتمالات البدء بتسوية سياسية وعودة الشعب السوري إلى حياة هادئة أُرجئت إلى أجل غير مسمى». وقال إن «مقاتلي المعارضة يقتلون يومياً عشرات المدنيين المسالمين» الذين يحاولون استخدام الممرات الإنسانية للخروج من الأحياء الشرقية في حلب، متسائلاً: «هل هذه فعلاً معارضة يمكن التوصل إلى تفاهم معها؟». من جهته، قال المتحدث باسم الكرملن، ديمتري بيسكوف، إن بلاده لن تكون قادرة على تمديد الوقف المؤقت للغارات الجوية على حلب، في حال «استمرت الفصائل المسلحة المعارضة في هجماتها».
وفي سياق متصل، رأى عضو «الهيئة العليا للمفاوضات» المعارضة، خالد خوجا، في مقابلة مع وكالة «فرانس برس»، أن «عدم تحرك المجتمع الدولي لكسر الحصار عن حلب، سمح لجبهة النصرة بالتدخل في هذه المعركة»، مضيفاً أنه «لا يمكننا أن نطلب من الناس الذين يعانون داخل حلب بسب بالحصار رفض المساعدة من أي طرف... كما أن عدد مقاتلي (النصرة) في شرق حلب لا يتجاوز 300 مقاتل، من حوالى 20 ألف مقاتل». ورفض خوجا الانتقادات التي وجهها المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا للفصائل المعارضة التي تقصف الأحياء السكنية «بشكل عشوائي»، مشدداً على أن الفصائل «لا تستهدف المدنيين، بل يستهدفون النظام، ولكن القنابل التي يستخدمونها ليست مثالية». وأعرب عن أمله بنجاح المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون، في انتخابات الرئاسة الأميركية، موضحاً: «سمعنا كلينتون تتحدث عن حماية المدنيين ومناطق حظر طيران، وهو الأمر الذي نرحّب ونطالب به».
إلى ذلك، قالت المتحدثة باسم مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان رافينا شامداساني، خلال لقاء لعرض أحدث التطورات في مقر المنظمة الدولية في جنيف، إن «كل الأطراف في حلب تقوم بأعمال قتالية تسفر عن أعداد كبيرة من الضحايا المدنيين، وتخلق مناخاً من الرعب لمن يعيشون في المدينة».
(الأخبار، أ ف ب، رويترز، الأناضول)