القاهرة | صحيح أن الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، لم يقدم برنامجاً انتخابياً قبل فوزه بمقعد الرئاسة يلزمه السؤال عما تحقق وما لم يتحقق، ولكنه قطع على نفسه عدداً من الوعود التي تعهد تنفيذها خلال مدة حكمه الأولى. في مقدمة هذه الوعود إجراء الانتخابات البرلمانية، ثم الإفراج عن الشباب المعتقلين، ولكن الأزمات التي لا تنتهي في قوانين الانتخابات وتعارضها مع الدستور، تجعل مصير البرلمان مجهولاً، فيما تكرر القوى السياسية ضرورة أن يستخدم الرئيس حقه الدستوري ويفي بوعده في الإفراج عن الشباب المعتقلين.
وأصبح السؤال عن مصير الانتخابات البرلمانية هو الأشهر والأكثر تكراراً منذ تولي السيسي السلطة، فبعدما أُعلن فتح باب الترشح في كانون الثاني من هذا العام، جاءت محكمة المفوضين الدستورية وأصدرت مذكرة بعدد من الملاحظات حول مخالفة بعض مواد قانون الانتخابات للدستور، يمكن استخدامها في الطعن في البرلمان وحله بعد تشكيله، الأمر الذي دعا «اللجنة العليا للانتخابات البرلمانية» إلى تأجليها.
توالت تصريحات السيسي عقب ذلك بأنه طلب من الحكومة تفادي التأخير الكبير في تعديل قوانين الانتخابات، ثم جدّد وعده خلال لقائه مع ملك إسبانيا في آذار الماضي، بأن الانتخابات ستجرى قبل نهاية العام الحالي. وبرغم أن التعديلات اللازمة على قوانين الانتخابات لم تنته حتى الآن، فإن ما يجعل مصير البرلمان مجهولاً هو مشروع القانون الذي ينتظر توقيع السيسي لإقراره، ويحرر «المحكمة الدستورية» من المواعيد الملزمة للنظر في الطعون، ما يتيح إجراء الانتخابات قبل الفصل في الطعون، وهو ما كان يعرض البرلمان لمصير سابقه بالحل، إذا ارتأت المحكمة الدستورية بطلان نص أو أكثر في قوانين الانتخابات.
ويمنح دستور 2014 صلاحيات للبرلمان المقبل تجتمع كلها في يد السيسي الآن، من بينها: حق البرلمان في تشكيل الحكومة من الكتلة التي حصلت على أغلبية الأصوات، وأيضاً حق إصدار القوانين حتى لو رفضها رئيس الجمهورية، وحق مراجعة كل القوانين التي جرى إصدارها في المرحلة الانتقالية، فضلاً عن اشتراط الدستور موافقة البرلمان على الموازنة العامة للدولة والتصويت عليها باباً باباً، مع أحقية المجلس في تعديل النفقات، عدا التي ترد تنفيذاً لالتزام الدولة.

انتخاب البرلمان ومراجعة القوانين والإفراج عن المعتقلين


في الملف الثاني، فإن السيسي لا يفوت فرصة دون الحديث عن الشباب ودورهم في المرحلة المقبلة، ولكن قضية المعتقلين في السجون ظلت تطل عليه بين مناسبة وأخرى. ومع حلول الذكرى الرابعة لثورة 25 يناير، تزايدت وعود الرئيس بالإفراج عن المعتقلين، وذكر أنه طالب أكثر من مرة بإعداد قوائم للإفراج عن الشباب إلى حد أنه قال في أول اجتماع له مع الأحزاب في كانون الأول الماضي: «أي حد يعرف واحد مسجون ظلم يجيب لي اسمه وأنا هخرجه فوراً».
طلب نفذته بالفعل مجموعات حقوقية وناشطون بمساعدة «المجلس القومي لحقوق الإنسان»، وانتظروا أن يفي السيسي بوعده ويفرج عن الشباب، ولكنهم وعائلات أولئك المسجونين ــ على قضايا سياسية مختلفة في عهد حسني مبارك أو المجلس العسكري أو محمد مرسي ــ لا يزالون ينتظرون.
يؤكد عضو «المجلس القومي لحقوق الإنسان»، كمال عباس، أن المجلس «قدم قوائم بأسماء شباب معتقلين وطالبنا بالإفراج عنهم في أكثر من مناسبة، لكن هذا لم يحدث»، موضحاً أنهم كانوا ينتظرون «قرارات الإفراج بين لحظة وأخرى... علمنا بعد ذلك أن قرار الإفراج عن الشباب جرى وقفه بناء على توصية من جهات أمنية». يشار إلى أن دستور 2014 يعطي لرئيس الجمهورية الحق في العفو عن العقوبة الصادرة تجاه الأشخاص أو تخفيضها، كما أجاز له العفو الشامل شريطة إصدار قانون تقرّه أغلبية أعضاء مجلس النواب، وفي حال غياب مجلس النواب ــ كما يسير الوضع الحالي ــ يكون للرئيس سُلطة إصدار القوانين بنص المادة 156 من الدستور.
في هذا الإطار، يقول عضو حركة «الحرية للجدعان» (حركة ناشطة في العمل على قضايا المعتقلين) خالد عبد الحميد، إننا «بذلنا كل جهودنا في التواصل مع اللجان التي أعلنها السيسي لإعداد قوائم بأسماء معتقلين حتى بصورة عشوائية، على أن من تنطبق عليهم شروط العفو الرئاسي سوف يستحقونه»، مستدركاً: «لم يفرج عن أحد، بل عملت أجهزة السيسي المختلفة على زيادة أعداد الشباب في السجون أو القبور، حتى أصبح ما نطمح إليه الآن هو أن تقف ماكينة القتل والاعتقال، ثم نحاول الإفراج عمن في السجون».
أما كمال عباس، فعاد ليشدد على أن الإفراج عن الشباب المعتقلين بسبب قانون التظاهر سيكون «مكسباً سياسياً للرئيس عليه استغلاله، ولكن في هذا الأمر تحديداً الأمن هو من يحكم لا السياسة».