مسرح جديد فقير. الممثلون يجب أن يكونوا عاطفيين ليردّوا على دعوات التظاهر (الشريرة) في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل. شرم الشيخ، خليّة نّحل. الفنادق في آخر أُبهتها، ومسرح قاعة المؤتمرات، مفروش بالورود، والسجاد الأحمر. مصر الرسميّة تنتظر مولودها الجديد (حزب الرئيس السيسي). وسائل الإعلام، جهزت هدايا "السبوع"، ولم يُطلق الرضيع بعد أولى الصرخات. الشباب المؤدب اللمّيع (ثلاثة آلاف على الأقل)، جُمع بدقة بالغة، من كل مشرب. يرتدي بذلاته الأنيقة، ويضع البادجات والشارات: "أبدع. انطلق".لا تُخفي السلطة قلقها على المستقبل. هناك مخاوف مكتوبة فوق المكتب الرئاسي، تُغلق بعد قراءة العنوان. نُصح السيسي أكثر من مرّة، بتجربة الظهير السياسي للرئيس (نصنعه، ونُشرف عليه من أعلى، ويمشي الحال). رفض وقتها نصائح المقربين، "الوقت لا يسمح. الفكرة تشق الصفّ الوطني. نحن في مرحلة بناء والعالم يتربص بنا". رفض فكرة ألمعيّة: إعادة إحياء ما يُشبه منظمة الشباب أيّام عبد الناصر. كان الرجل ينظر إلى الحائط، ليقرأ المنسوب. الشعبيّة مستقرة وعال العال. هذا قبل عامين، أما الآن، فالشعبيّة أثر بعد عين، والاكتئاب الشعبي يدرّب عضلاته، ويصرخ من تردي الاقتصاد، والأمن، والغلاء، وموت الديموقراطيّة. قبل أسبوعين، اقتنعت السلطة، بفكرة الحزب السياسي تلك، واشترطت أن تجري تهيئة المناخ أولا، بمؤتمر كبير، تحضره الأحزاب الورقيّة، المحسوبة، على "دولة 30 يونيو".
جلسات المؤتمر الوطني للشباب، عامرة بالحضور، والبوكيهات موضوعة بعناية فوق الطاولات. جداول الأعمال، والموضوعات المطروحة للنقاش، مُجازة مسبقاً، ويجب ألا تخرج عن النصّ المكتوب. مجموعة من القضايا: الحرب على الإرهاب. ترويج إنجازات الرئيس بين المواطنين. مجموعات عمل تنشر نتائج وتوصيات المؤتمر في المحافظات. هذا هو الهدف الرئيس، ولا مانع من الحديث الفرعي المهذب في القاعات عن الحريات العامة ومشاركة الشباب. رؤية الشباب لحلّ مشاكل البلد. تجديد الخطاب الديني. مشاكل التعليم. ليس مهماً ما سيُقال. الصورة أهمّ: الدّولة انحازت للشباب. مصر تنتصر للاستقرار. عين الحسود فيها عود!
فكرة مؤتمر الشباب: الأفيش، والديكورات، والإضاءة، شبيهة بأفلام (مؤتمرات) جمال مبارك، نجل الرئيس المصري الأسبق، أمين سياسات الحزب الوطني المنحلّ. مسؤولو الدولة في الصفوف الأولى، والجماهير الحقيقيّة خارج القاعة المعقمة. فكرة الحزب الذي لم تُسمه، وتشرّعه السلطة، حتى الآن، مرفوض فيها الخيال. عدا الفترة التي حكمت فيها الأحزاب (مصر المحتلّة) بمباركة المَلَكيّة الحاكمة (1923 – 1952) لم يولد حزب سياسي، من أسفل، ووصل إلى السلطة، وحكم.
الحزب في مصر ابن مظلوميّة باستثناء حزب الوفد في زمن سعد زغلول. مجرد دعوة على العشاء. كُتب عليه أن يكون ضعيفاً، وأعرج، وحياته قصيرة. من فوق خشبة مسرح زيزينيا في الإسكندرية، ولد الحزب السياسي في مصر. مصطفى كامل، الشاب الثلاثيني الذي تلقى تعليمه في فرنسا، يُشرف على عملية الولادة. الأفنديّة المثقفون، وأبناء البرجوازيّة الصغيرة، وحدهم، كانوا يتفرجون على مؤسس الحزب الوطني (1908)، وهو يمسح عرقه، ويرفع نبرة صوته، ليقرأ ويسمع الجميع، خبر تأسيس حزب يطالب برحيل الاستعمار الإنكليزي، في العام التالي.
في فترة عبد الناصر حُلّت الأحزاب، وأنشئت منظمة الشباب، والاتحاد الاشتراكي، للحشد والتعبئة وراء الرئيس. في فترة السادات خُلقت المنابر الثلاثة مشوهة (التجمع. الأحرار. الوسط). بعدها بفترة قليلة، أنشأ السادات ما سماه الحزب الوطني الديموقراطي، وترأسه، ودعا الناس للانضمام إليه. الديكور نفسه، الذي حكم به مبارك، حتى أسقطته ثورة يناير في فبراير 2011.
رائحة أيام مبارك تعود. مشاركون كثر في المؤتمر الوطني للشباب، محسوبون على الحرس القديم للحزب المنحلّ. معظم فنادق شرم الشيخ، تكفلت بإقامة الحضور بالمجان. كان هذا يحدث في الزمن السابق لزمن ميدان التحرير. السلطة تتحسّب لنتائج المؤتمر، وبالها في جمع الثمار: الأصداء وردود الفعل. الأرجح أن النتائج ستكون مُبهرة ومُبهرجة في وسائل الإعلام، وعكسيّة تماماً عند الجماهير، التي وصل عندها الإحباط إلى ما تحت الباط.