بعد انتهاء الهدنة الهشّة بين أطراف الحرب واستحالة تمديدها في ظلّ الخروق المتواصلة جوّاً وبرّاً، يبدو أن إحياء المسار السياسي سيمثل البديل الحالي من الاحتواء الميداني الفاشل حتى الساعة. وبعد ركودٍ على الخط السياسي لم تحرّكه سوى تصريحات وزير الخارجية الأميركي جون كيري في شهر آب الماضي، والتي لم يُترجم أيٌ منها، سلّم مبعوث الأمم المتحدة، اسماعيل ولد الشيخ، القوى السياسية في صنعاء «مقترحاً سياسياً شاملاً للحلّ»، تضمن بنوداً سياسية وعسكرية، منها ما هو جديد ومنها ما هو مكرّر في مقترحات سابقة للمسؤول الدولي.إلا أن مصادر مقرّبة من حركة «أنصار الله» ومن حزب «المؤتمر الشعبي العام» قالت، في حديثٍ إلى «الأخبار»، إن الأجواء هذه المرة «لا تخلو من التفاؤل»، من دون الإفصاح عن إمكانية القبول بهذا المقترح أو ببعض بنوده، وهو ما سيتضح في الأيام المقبلة.
ونصّ مقترح ولد الشيخ، الذي قدّمه مكتوباً إلى القوى السياسية، على التوصّل إلى تسمية نائب رئيس توافقي يتسلّم صلاحيات الرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي، وتشكيل حكومة «وحدة وطنية»، بالتزامن مع إجراءات أمنية كبيرة، أهمها «انسحاب الجيش اليمني واللجان الشعبية من مدن صنعاء وتعز والحديدة خلال شهر من توقيع الاتفاق». وينصّ الاتفاق بالتالي على تقديم اللواء علي محسن الأحمر، النائب الحالي لهادي، استقالته من منصبه خلال 24 ساعة من توقيع الاتفاق، وهو ما قد يمثلّ عقبة أساسية في وجه التقدم في هذا الطرح، إذا ما تمّ الاتفاق على البنود الأخرى المذكورة.
مصادر من صنعاء لـ«الأخبار»: الأجواء هذه المرة «لا تخلو من التفاؤل»

وسبق لولد الشيخ أن قدّم عدداً من المقترحات منذ بدء الحرب، إلا أن أياً منها لم يُطبّق، إذ كانت الحلول تتضمن نقاطاً خلافية لم تلقَ بعد سبيلها إلى التذليل، مثل البنود العسكرية والأمنية وتجاهل الخطوات السياسية، من قبيل تشكيل حكومة وحدة وطنية، الأمر الذي تمسّكت به «أنصار الله» وحزب «المؤتمر» طيلة فترة المحادثات، مقابل رفض الطرف الآخر. ويؤشر تزامن الاجراءات السياسية مع الأمنية، في المقترح الحالي، إلى تقدمٍ على مستوى القبول بطلبات صنعاء، وهو ما يمكن وضعه في خانة الاستجابة للضغوط الدولية المتنامية على الرياض وحلفائها للتعجيل في وضع حدٍّ لهذه الحرب، لا سيما بعد مجزرة القاعة الكبرى في صنعاء.
وتأتي زيارة ولد الشيخ بعد لقاءات جمعته أخيراً في الرياض بهادي وبوزير الخارجية في حكومته، عبد الملك المخلافي، بالإضافة إلى الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، عبد اللطيف الزياني. وكان المبعوث الدولي قد تعرّض قبيل وصوله لانتقادات من قبل الرئيس السابق علي عبدالله صالح، اتهمه فيها بالانحياز لمصلحة السعودية، وطلب من الأمين العام للأمم المتحدة لفت نظر مبعوثه، حفاظاً على حيادية المنظمة الدولية، بما يعجّل في إنهاء معاناة اليمنيين وفك الحصار وإيقاف الحرب.
وخلال زيارته للعاصمة اليمنية، جال ولد الشيخ اليوم على القاعة التي شهدت المجزرة الشهيرة قبل نحو أسبوعين، حيث اطّلع على حجم الدمار الذي خلفته غارات طائرات التحالف السعودي على مجلس العزاء الذي كان مقاماً في تلك القاعة.
وعلى خط المساعي السياسية نفسها، أبدى نائب وزير الخارجية الكويتي، خالد الجارالله، استعداد بلاده لـ«مواصلة الجهود في مجال تحقيق الحوار والتوافق بين الاطراف اليمنيين لإنهاء الازمة»، بعد استضافتها الجولة الماضية من المحادثات السياسية بين القوى اليمنية. وقال الجارالله، في مؤتمر صحافي تلى الاجتماع السادس لمجموعة «مكافحة تمويل داعش» في الكويت، إن ولد الشيخ يبذل جهوده في هذا المجال، ولديه تفاؤل بإمكانية الوصول الى توافق وحل»، مؤكداً أن دول المنطقة ما زالت تبذل جهودها ولم تفقد الأمل على الإطلاق بشأن التوصل الى حل يوقف هذا الصراع الدامي. وعمّا إذا كانت هناك وساطة كويتية ــ عمانية بين الأطراف اليمنيين، نفى الجارالله هذا الموضوع قائلاً «لا يوجد وساطة كويتية في هذا الإطار، ولكن يوجد دائماً استعداد كويتي لدعم الجهود الهادفة إلى وضع حدّ لهذه الحرب».
على الصعيد الميداني، تواصلت الغارات الجوية من قبل طائرات «التحالف» على مناطق متفرقة، لا سيما على صعدة وصنعاء، في وقت شهد فيه الشريط الحدودي للسعودية اشتباكات متقطعة. وشهدت عسير قنص جندي سعودي في منفذ علب، كذلك تعرض موقع الزج في المنطقة نفسها لأربع غارات سعودية. وفي نجران، شنّت طائرات «التحالف» خمس غارات على صحراء البقع، فيما تعرضت مناطق جيزان لقصف مدفعي من قبل الجيش و«اللجان الشعبية» في مواقع زبيد والموسم، وشمالي صحراء ميدي.