بعد تصريحات الرئيس التركي، رجب طيب اردوغان، التي اعترف من خلالها بتأثيره في «جبهة النصرة» في سوريا، عندما أشار إلى طلب نظيره الروسيمنه أداء دور لإخراج مقاتلي «النصرة» حلب، فوجئت أنقرة بإصدار محكمة عراقية، أمس، مذكرة للقبض على محافظ نينوى السابق، أثيل النجيفي، بتهمة «التخابر» مع دولة أجنبية، في إشارة إلى تركيا.وتستضيف تركيا منذ عام ٢٠١٣ نائب الرئيس العراقي السابق طارق الهاشمي، المقيم في إسطنبول والمحكوم عليه بالإعدام، كما تستضيف منذ العام الماضي أثيل النجيفي، والعشرات من قادة العشائر الموالين لهذين الاثنين، انطلاقا من مقولة «عدو عدوي هو صديقي». كما أن الجيش التركي يدرّب «عناصر العشائر السنية» الموالين للهاشمي والجنيفي قرب مدينة بعشيقة، حيث أُنشئ ما يسمى «حراس نينوى»، وهي مجموعات يقودها شقيق النجيفي المقرب جدا من رئيس الوزراء السابق أحمد داوود أوغلو.
وكان نائب رئيس حزب «الشعب الجمهوري»، اوزتورك يلماز، وهو القنصل العام التركي السابق في الموصل عندما دخلها عناصر «داعش» في حزيران ٢٠١٤، قد قال إن تركيا استضافت المئات «من رؤساء وقادة ومسؤولي العشائر السنية في الموصل منذ ٢٠١٠»، كما أنها موّلت وسلّحت هذه الشخصيات، التي عاد عدد مهم منها إلى الموصل وأعلنت ولاءها لـ«داعش» بعد عام ٢٠١٤.
أنقرة: تعدّ الموصل مدينة مفتاحية في توازنات الشرق الأوسط

ولم يخف أردوغان ومعه عدد من المسؤولين الأتراك دعمهم «للعشائر السنية في العراق» في أكثر من مناسبة. ومن دون أن ينتبه أحد إلى تناقضات التصريحات التركية، فقد عبّر الرئيس التركي أكثر من مرة عن قلقه من مخاطر «الاستفزازات الطائفية» في العراق، حتى هدد وتوعد رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، ملمّحاً إلى أن قوات «الحشد الشعبي» تريد «تشييع الموصل».
ومن ضمن السياسة التركية المتبعة حالياً تجاه العراق، جاء أمس حديث نائب رئيس الوزراء التركي، نعمان قورتولموش، الذي رأى أنه «لو قلنا إننا سنطهّر الموصل من داعش، وسنوطّن بعده هناك الحشد الشعبي مثلاً، أو منظمات إرهابية أخرى، فلا شك أن هذا لا يساهم أبداً في تحقيق السلام بالعراق والمنطقة». وأردف أن «سيطرة الحشد الشعبي على الموصل يمكن أن تمثّل بداية عمليات تطهير طائفية. والأمر الآخر هو تمركز قوات الذراع السورية لمنظمة العمال الكردستاني الإرهابية في المنطقة، ما يمثّل تهديداً للتركمان والعرب هناك، وتركيا مستعدة لتلك السيناريوهات»، لكن جدير بالذكر هنا أنّ أردوغان كان قد قوبل سابقاً بانتقادات من المعارضة في تركيا بسبب التدخل في العراق. ولا يُخفي مثلاً تركمان العراق قلقهم من سياسات أردوغان في التحالف مع مسعود البرزاني، الذي نجح في السيطرة على مدينة كركوك التي يعيش فيها التركمان. وبرغم أن الأخير تحدث عن أهدافه في «إقامة الدولة الكردية الكبرى»، فإنّ أنقرة ترى في البرزاني حليفا موثوقا به في حربها ضد «حزب العمال الكردستاني» و«وحدات الحماية الكردية السورية»، المدعومة من واشنطن ولندن وباريس وبرلين.
برغم ذلك، شدّد المسؤول التركي في حديثه، أمس، على أنّ «تغيير التركيبة السكانية للموصل لا يساهم في إحلال السلام بالمنطقة»، مشيراً إلى «ضرورة تشكيل سكان المدينة القوة الضاربة في العملية القائمة». وقال إن «أسوأ سيناريو يمكن أن يحلّ في الموصل هو أن تقع فيها ممارسات تطهير طائفي أو عرقي»، مضيفاً أن «السيناريو السيئ الآخر هو تعرض الجنود الأتراك في معسكر بعشيقة لهجمات».
وفيما يعكس مجمل كلام نائب رئيس الوزراء محاولات أنقرة الحثيثة للاستثمار في الحديث الطائفي والتخويف منه، وهو ما يمثّل نقاط تقاطع مع سياسات دول الخليج، فإنّه قال أيضاً في حديثه إنّ بلاده «تدرك تماماً موقع الموصل المهم، وتعدّ مدينة مفتاحية في توازنات الشرق الأوسط عقب هذه المرحلة».