إنها الكوميديا السوداء تتحقق في الواقع المصري: ضابط سابق اتُّهِم ــ لكنه لم يُدَن ــ في قضية تعذيب، يتولى رئاسة «لجنة حقوق الإنسان» في برلمان البلاد. مجلس النواب، الذي يسعى إلى طيّ صفحة الأزمات والإحراجات بسبب اللجنة، يريد أن ينهي تجربة رئيسها السابق. حاول النائب محمد أنور السادات، خلال ترؤسه «حقوق الإنسان» في دور الانعقاد الأول، العمل بجد لتحسين أوضاع حقوق الإنسان وكشف الحقائق للرأي العام. أما الآن، فأتى علاء عابد، وهو عضو «ائتلاف دعم مصر» المقرب من أجهزة الأمن، ليكون رئيساً لهذه اللجنة، رغم أنه متهم بتعذيب مواطن خلال عمله ضابط شرطة عام 2005.
سيمرر البرلمان قريباً قراراً يحجّم عمل المؤسسات الحقوقية
لا يرغب «ائتلاف دعم مصر»، المسيطر على الأغلبية النيابية في البرلمان والمدعوم من جهات أمنية، في تكرار تجربة السادات، هو الآخر، فحشد نوابه للانضمام إلى اللجنة من أجل التصويت لاختيار عابد. صحيح أن الأخير لم تثبت إدانته في واقعة التعذيب، لكن من عملوا معه في وزارة الداخلية يؤكدون أنه من الضباط السيئي السمعة في التعامل مع المواطنين. وبسبب حشد الأصوات، فاز الائتلاف برئاسة اللجنة، التي شهدت توتراً كبيراً في الأسابيع الماضية بعد استقالة السادات اعتراضاً على عجزه عن القيام بالدور المنوط به، ولا سيما ما يتعلق بزيارة السجون.
كذلك واجه السادات اتهامات من نواب داخل المجلس وجهات خارجية، بسبب مشاركته في مؤتمر حقوقي في سويسرا برفقة عدد آخر من النواب، بل رأى رئيس المجلس، علي عبد العال، أن المؤتمر المذكور كان ينتقد الأوضاع الداخلية في مصر، وأن رئيس اللجنة ذهب إلى الخارج من أجل شكوى الأوضاع الحقوقية الداخلية بما لا يتناسب مع طبيعة دوره البرلماني.
بسبب ذلك، تقدم ثلاثة من أعضاء «حقوق الإنسان» في البرلمان استقالاتهم منها بعد فوز عابد برئاستها، ما يمهد للقول إن اللجنة ستنتهج سياسة أمنية في التعامل مع الأزمات، وأنه لا يجب لأحد أن يأمل التعاون معها، خاصة أن المنظمات الحقوقية غير الحكومية لن تبدي ترحيباً باختيار ضابط سابق والتواصل معه.
وتتزامن هذه الخطوة مع استعداد البرلمان لإمرار قانون الجمعيات الأهلية خلال دور الانعقاد الحالي، والواجب فيه أن يحدد «ضوابط وآليات تمويل المنظمات الحقوقية»، وهو ما يعني أن رئيس اللجنة الحالي سيوافق على إمرار الحكومة للقانون بالطريقة التي تريدها، رغم رفض حقوقيين كثيرين لها، في ظل أنها ستقلص أنشطتهم وتوقف أي تدريبات شبابية إلا بموافقة الدولة، ووفق شروط تسمح لها بعرقلة المراكز التي لا ترى أنها تتفق معها في الرؤية.
أيضاً، ليس من المتوقع في أحسن الأحوال أن يتحرك عابد ليساعد الناس، خاصة أنه اتهم بالتعذيب وأغلق ملفه بصورة غامضة، ما يعني أن أزمات «المجلس القومي لحقوق الإنسان» ستبقى هي الأخرى رهينة الشلل. وبرغم افتراض التنسيق بين المجلس المذكورة والبرلمان، فإن عابد على صدام مع عدد من أعضاء المجلس الحاليين، كذلك إن قانوناً جديداً سوف يقر في البرلمان يجب أن يحظى بموافقة «لجنة حقوق الإنسان» قبل إمراره إلى الجلسة العامة، الأمر الذي يعني أن فرصة الحكومة لإمرار أي قوانين مرتبطة بحقوق الإنسان لا تتوافق مع آراء الحقوقيين باتت أقوى من أي وقت مضى.
ولا يرى عابد في طريقة وصوله إلى رئاسة اللجنة أي مخالفة للأعراف البرلمانية، فهو متمسك بأن منصبه السابق في الشرطة ليس سبباً يحرمه رئاسته «حقوق الإنسان»، بل وصف اتهامات التعذيب التي وجهت إليه بـ«الشائعات الانتخابية» التي تعرض لها ولم تثبت صحتها، مؤكداً أنه يعمل محامياً في الوقت الحالي ولديه خبرة عبر المركز الذي أسسه بعد خروجه من جهاز الشرطة.
لكنّ نائباً برلمانياً، تحدث إلى «الأخبار»، شدد على وجود حالة غضب بين نواب عدة أحزاب، ومن بينها أحزاب داخل «ائتلاف دعم مصر»، بسبب التمسك بعابد رئيساً للجنة، رغم وجود شخصيات أخرى، خاصة أن كثيرين طلبوا اختيار نائب آخر من الائتلاف تجنباً لاستفزاز الشارع، لكن رئيس المجلس ورئيس الائتلاف تمسكا باختياره.