صفحات التسوق على الشبكة العنكبوتية كثيرة. ولكل منها طابعها الخاص. إلا أن صفحة سوق مخيم برج البراجنة، ورغم كونها عادية وبدون إضافات دعائية أو فنية، وحتى دون أي تدقيق لغوي في المنشورات، تجذب انتباه المتصفح سواء لمحتوياتها المختلفة، التي قد تكون هاتفاً أو سيارة أو بيتاً أو ثياباً، أو لتلك البساطة في عرض المحتويات التي تشعرك أنك كنت ستجادل البائع لتخفيض السعر لكنه أخجلك بضحكته. هي نسخة إلكترونية عن سوق حقيقية بكل التفاصيل التي قد تصادفها أو تكتشفها.هذه الصفحة "الفايسبوكية" تعود بك إلى جولة في سوق مخيم برج البراجنة. هنا، كما في أي سوق شعبية، ستفرح بالأسعار المخفضة التي حتماً تناسبك إن كنت مثلنا من محدودي الدخل. ستجد كل ما تريد: من الطعام إلى الثياب والمفروشات. ستجد في الملحمة إعلانات مبوبة عن بيوت ومحال للإيجاز، وستجد في الفرن المقابل عروضاً جيدة لشراء دراجات نارية.
ستعود حتماً بلعبة أو أكثر لأطفالك وقد لا يتعدى ثمن اللعبة الألف ليرة لبنانية. ستصادف في طريقك بعض الأجانب الذين يحفظون مداخل هذه السوق ومخارجها، الذين يجيدون مساومة الباعة على الأسعار.
الأمر نفسه في "سوق النت"؛ حين تتصفحه ستجد غرف نوم أنيقة، مستعملة "وبحالة ممتازة". ستجد فساتين سهرة وأعراس، وعروض خدمات من تركيب المكيفات إلى الدروس الخصوصية، ومن الطبخ الشهي الجاهز إلى المؤونة المعدة بعناية وحرفية. ستتمكن من الاطلاع أحياناً على المفاوضات بين البائع والزبون من خلال التعليقات فتكتشف بنفسك إن أردت الشراء أي الباعة يتقبلون المساومة وأيهم "بيضوجو بسرعة وكلمتهم كلمة".
أما إن كنت غريباً عن المخيم وسوقه، فستجد في العناوين المرفقة بالمعروضات ما يكفي ليصنع في رأسك متاهة قد لا تخرج منها في يوم واحد. كأنك في جولة أولى وحيداً في أزقة السوق.
هذه الأسواق، الواقعية منها والافتراضي،ة تتميز عامة بأسعارها الرخيصة. قد يقول البعض ممتعضاً إن بها بضائع مهربة أو مسروقة أو مقلدة. وبغض النظر عن حجم التجني في هذه المسألة، فإنها تبقى مقصداً وحيداً لكثيرين منا. وإن كان البعض يتكتم على الأمر لدواعي "البرستيج" وهو مرض نفسي متفشٍّ بيننا.
راوية مثلاً، صبية تستعد للزواج تقول إنها اشترت مفروشات بيتها مستعملة من سوق المخيم، وبحال جيدة جداً، وبسعر ممتاز كما تؤكد ضاحكة. وتخبرنا بابتسامة عريضة أنها اختارت فستان زفاف وستشتريه بسعر يقل عن نصف قيمة إيجار فستان زفاف عادي من أي مكان آخر. وتخبرنا أيضاً عن صديقتها الفرنسية التي تعمل في إحدى المنظمات غير الحكومية وعن استمتاعها بارتياد البالات المنتشرة في سوق المخيم، فخورة بالأجنبية التي ترسل لها عبر "الواتساب" صور غلتها كلما ذهبت للتسوق.
أما هادي، فيقول إنه اشترى دراجة نارية بسعر مقبول جداً وسجلها في الدوائر الرسمية، مستغرباً أن يقال إن البضائع في المخيم مسروقة.
منذ أقدم الأزمنة إلى اليوم، ومن زمن الأسواق الجوالة إلى زمن الأسواق الافتراضية، نجحت الأسواق الشعبية التي كادت تنقرض في لبنان لمصلحة مراكز التسوق الضخمة و"المولات"، في اجتذابنا، وفي اجتذاب أولئك الذين يأتونها متنكرين، بحثاً عن كل شيء من "البابوج إلى الطربوش". قد تكون سوق مخيم برج البراجنة ونسختها الالكترونية خير دليل على ذلك.