نجحت «جبهة فتح الشّام / النصرة» في استثمار «الفتنة» التي قادت «حركة أحرار الشّام الإسلاميّة» وتنظيم «جند الأقصى» إلى معارك طاحنة بينهما، وتجييرها لمصلتحها. وعلى الرّغم من معارضة كثير من «القادة» داخل «أحرار الشّام» قبول أي اتفاق مع «جند الأقصى» وإصرارهم خلافاً لذلك على مواصلة المعارك حتى تصفية التنظيم، أثمرت الضّغوط التي مارسها عدد من «المرجعيّات الشرّعية» والقادة «الجهاديين» في تنظيم «القاعدة» على «الحركة» قبول الأخيرة الأمر الواقع.
يرى رافضو الاتفاق أن ما جرى أمر واقع فرضته «فتح الشّام»
الاتفاق الذي توصلت إليه معظم الأطراف المنخرطة في «الفتنة» حمل تأكيداً رسميّاً لما أشارت إليه «الأخبار» قبل يومين (راجع العدد 3004). وصبّت النتائج الأوليّة في كفّة «جبهة فتح الشّام» وضمنت لزعيمها أبو محمد الجولاني «اصطياد» عصفورين بحجر واحد: الأوّل رفد «الجبهة» بعدد لا يُستهان به من المقاتلين وجلّهم من «المهاجرين»، وثانيهما التّمهيد للتخلص من عدد من «قادة جند الأقصى» عبر تحميلهم المسؤوليّة عن «الفتنة». الاتفاق الذي توصّلت إليه «فتح الشّام» من جهة، و«أحرار الشّام» وحلفاؤها من جهة أخرى نصّ على «التزام الأطراف الوقف الفوري لإطلاق النار، وفتح جميع الطرق المغلقة، والإفراج الفوري عن كل المحتجزين مع كامل أماناتهم ومصادراتهم باستثناء من عليه دعاوى ارتباط بجماعة الدولة (داعش)». كما نصّ على «تشكيل لجنة قضائيّة مؤلّفة من قاضيين (اثنين) من طرف الجبهة، وقاضيَين من طرف "الأحرار" ومن معهم، وخامسٌ مرجّح مستقل للنظر في دعاوى القتل وفي مقدمتها قتل أبو منير دبّوس». والأخير واحد من أبرز «قادة الأحرار» التي تتهم «جند الأقصى» بتصفيته. ولم يُعلن الاتفاق هويّات «القضاة» واكتفى بالإشارة إلى أنّ الأطراف قد اتّفقوا على أسمائهم.
وقال مصدر «جهادي» لـ«الأخبار» إنّ «عدم الاعلان عن أسماء القضاة جاء لهدفين اثنين: إبقاؤهم بعيداً عن الضغوط، وحمايتهم من أي تدبير يستهدفهم». المصدر شرح النقطة الأخيرة بالقول إنّ «الفتنة التي وقعت بين الإخوة في "جند الأقصى" وبقية الفصائل ما كان لها أن تقع لولا بعض المُفسدين الذين سعوا إلى إيقاعها». ورأى المصدر أنّ «جماعة الخوارج ("داعش") تتحمّل كامل المسؤولية عن تلك الفتنة، ومعظم الفتن التي تقع، ولا نستغرب أن يسعوا إلى إلحاق الأذى بالمشايخ القضاة، ولهذا كان الاتفاق على إبقاء الأسماء طيّ الكتمان». وجاء البند الخامس من الاتفاق بمثابة خدمة لـ«النصرة» أكثر منها لـ«الأحرار»، إذ نصّ على «حل "جند الأقصى"، ومنع تشكيله مستقبلاً تحت أي مسمّى جديد»، وعلى «اعتبار بيعته لـ"فتح الشّام" بمثابة حلٍّ وإنهاء له». وعلى الرّغم من أنّ هذا المطلب كان أساسيّاً لـ«أحرار الشام» وحلفائها غيرَ أنّه في جوهر الأمر يضمن لـ«قادة النصرة» إبعاد هواجس محاولة بعض «قادة جند الأقصى» السعي إلى إعادة استقطاب مقاتليهم مستقبلاً تحت مسمى جديد، ما يعني أنّ انضواء مقاتلي التنظيم تحت راية الجولاني هو انضواءٌ نهائيّ.
وبرغم مرور حوالى أربع وعشرين ساعة على إبرام الاتفاق غيرَ أنّه لم يضع حدّاً نهائيّاً للاشتباكات بين الطرفين المقتتلَين، وشهدت بعض النقاط هجماتٍ متبادلة. ويقول مصدر من داخل «أحرار الشّام» لـ«الأخبار» إنّ «تنظيم "جند الأقصى" لم يكن على قلبِ رجل واحد، والجميع يعلم أن أطرافاً فيه مرتبطةٌ بالخوارج (في إشارة إلى "داعش")». المصدر حمّل هذه الأطراف المسؤولية عن الهجمات التي وقعت «قبل الاتفاق وبعدَه»، ورأى أنّ «محاولاتهم إفشال الاتفاق وإذكاء نار الفتنة ليست أمراً مفاجئاً». كما أكّد أنّ «قرار الأحرار واضح: الالتزام بما اتّفقنا عليه مع إخوتنا في فتح الشام، والتّصدي في الوقت نفسه لأي اعتداء وإذاقة مرتكبيه الويل». ويبدو مستبعداً أن يُفضي الاتفاق إلى وضع حدّ نهائيّ للصّراع الأخير، يُسهم في ذلك بالدّرجة الأول عدم رضى جناح كبير داخل «أحرار الشّام» عنه، وهو موقف تتشاركه «أجنحة» داخل معظم المجموعات التي وقفت إلى جانب «الحركة». ويرى رافضو الاتفاق فيه أمراً واقعاً فرضته «فتح الشّام» بعد مسارعة زعيمها إلى منح «غطاء» لـ«جند الأقصى» عبر قبوله «البيعة». ويرى أصحاب هذا الاتجاه في خطوة الجولاني نوعاً من «الانتهازيّة، والاستهانة بدماء شهداء الفتنة». وليس من المستبعد أن يعمل هؤلاء على إفشال الاتفاق وإعادة توجيه الأمور وفق «بوصلتهم» التي لا ترى أولويّةً فوق تصفية «جند الأقصى» فعليّاً، لا نظريّاً.