ألقت سيطرة تنظيم «داعش» على مدينتي الرمادي العراقية وتدمر السورية قبل ثلاثة أسابيع ظلّاً ثقيلاً على شرق محافظة السويداء، التي تقطنها غالبية من أبناء طائفة الموحّدين الدروز، في شرق الجنوب السوري. وجاء هجوم مجموعات من التنظيم على قرية الحُقف في الشمال الشرقي للمحافظة قبل أسبوعين، ودخولهم إلى البلدة لبعض الوقت وقتلهم ستة من أبنائها، بمثابة «جسّ نبض» لأحوال القرى الشرقية.
تهديد السويداء من الغرب، تدرّج صعوداً في السنوات الماضية مع توسّع سيطرة إرهابيي تنظيم «القاعدة» وجماعات تكفيرية أخرى على قرى شرق درعا المتاخمة لـ«جبل الدروز»، ومنها مدينة بصرى الشام التي احتلها الإرهابيون قبل ثلاثة أشهر. إلّا أن انتشار «داعش» الجديد في البادية الشرقية، وسيطرته على تدمر ومثلث الحدود السورية ـــ العراقية ـــ الأردنية ونقاط ملاصقة لقرى المقرن الشرقي كالقصر وبير القصب ومنطقة الأصفر، مع خطوط إمداد مفتوحة، يضع السويداء أمام تهديد وجودي، في ظلّ نيّات «داعش» التوسعية، وغمرة مشاريع التقسيم التي تُطرح في المنطقة.
ومع أن السويداء لا تملك المقوّمات الاقتصادية والاجتماعية التي تملكها محافظات الشرق السوري والوسط العراقي، والتي تحفّز «داعش» للسيطرة عليها، إلّا أن جغرافيا السويداء تشكّل عقدة ربط رئيسية، إذا ما أراد التنظيم التوسّع مستقبلاً باتجاه الحدود الأردنية ثم السعودية، علماً بأن «داعش» بات يملك نقاطاً ثابتة على مقربة من المخافر الأردنية، بالقرب من معبر طريبيل بين الأردن والعراق، بالإضافة إلى معلومات عن حشود للقوات الأردنية في المنطقة.

الحرب الإعلامية والشائعات

لا يكفي السويداء التهديدات الوجودية التي يشكّلها حصار التنظيمات التكفيرية من الشرق والغرب والجنوب، فتكفّلت مئات الصفحات الجديدة على مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع المعارضة السورية ووسائل إعلام الدول الداعمة لها، بالإضافة إلى النائب وليد جنبلاط والإعلامي في قناة «الجزيرة» فيصل القاسم، بشنّ حملات شائعات في الآونة الأخيرة عن انسحاب وحدات الجيش السوري من المحافظة وترك أهلها لمصيرهم، فضلاً عن شائعات حول قيام الدولة السورية بسحب الأموال من المصرف المركزي وتفريغ إهراءات القمح، ونقل محتويات متحف السويداء إلى الساحل السوري. وعلى ما تقول مصادر أهلية ورسمية ودينية في المحافظة، فإن «كلّ كلام عن سحب الأموال وإهراءات القمح هو نفاق، والدولة تزوّد المحافظة بالقمح بشكل منتظم وليس العكس». وتقول مصادر أخرى إن «مسألة سحب بعض الموجودات القيّمة في متحف السويداء هي من ضمن إجراء مماثل لحماية الآثار في كلّ المحافظات، ونقلها إلى دمشق وليس إلى الساحل السوري». وعمدت وسائل إعلام تابعة للحزب التقدمي الاشتراكي وقناة «أورينت» إلى تلفيق مواقف لشيخ عقل الطائفة حمّود الحناوي في كلمة له ألقاها في مقام عين الزمان قبل عشرة أيام، بمناسبة الإعلان عن تشكيل عسكري جديد رديف للجيش السوري من أبناء المحافظة، يقوده العميد المتقاعد نايف العاقل تحت مسمى «درع الوطن»، ونشر مقاطع فيديو مجتزأة من الكلمة. وروّجت المواقع أن الشيخ الحناوي طلب من أهالي السويداء «عدم الاعتماد على ما كان يسمّى بالجيش السوري والاعتماد على أنفسهم فقط»، بينما أكّد الحناوي لـ«الأخبار» أن «الكلام عارٍ من الصحّة وكلامي مناقض لما نشر، قلنا إن درع الوطن يحمي السويداء إلى جانب الجيش العربي السوري».

الحناوي: درع
الوطن يحمي السويداء إلى جانب الجيش العربي السوري



وتقول المصادر إن «حملة الشائعات تهدف إلى سلخ السويداء عن الدولة السورية، عبر إشعار المواطنين بأن دور الدولة انتهى وضعُف، وعليهم البحث عن سبل أخرى للحماية». وتتقاطع أهداف التحريض الأخير مع الدعوات التي لم تتوقّف المعارضة السورية في الخارج وجنبلاط عن إطلاقها، وبعض المعارضين في داخل السويداء، من الذين لا يجرؤون على زيارة منطقة واحدة تحتلها الجماعات الإرهابية «المعتدلة»، عن ضرورة تعاون أهالي السويداء مع هذه الجماعات، وتمرّد الأهالي على الدولة السورية، على قاعدة أن المعسكر المعادي للرئيس السوري بشّار الأسد سينتصر. كذلك عملت وسائل الإعلام المعارضة على الترويج بأن الجيش لم يشارك في الدفاع عن الحُقف من مواقعه في منطقة البثينة، تماماً كما تمّ الترويج لحياد الجيش عندما هاجمت «النصرة» بلدة داما قبل أشهر (غربي السويداء)، علماً بأن كل المؤشرات والمصادر العسكرية تشير إلى أن «تجربة الحُقف كانت ممتازة من حيث شراسة أهالي البلدة بالقتال، وصمودهم أمام داعش حتى وصلت الفصائل الأخرى وشاركت في المعركة، من مجموعات درع الوطن إلى جماعة الشيخ وحيد البلعوس والدفاع الوطني والحزب السوري القومي الاجتماعي». وكان «دور الجيش أساسياً من حيث التغطية المدفعية والجويّة ومشاركة المشاة»، على ما تجزم المصادر.

إرادة القتال ودور الجيش

لا ينتظر أهالي السويداء تطمينات أمير «النصرة» في سوريا أبو محمّد الجولاني لمعرفة المصير الذي ينتظرهم في حال سيطرة مرؤوسيه على المحافظة، أو إخوانهم في « داعش». وتبقى تجربة عدرا العمالية وريف سلمى وممارسات «النصرة» في بصرى الشام وقرى درعا القريبة بحقّ السوريين سنّة وشيعة ومسيحيين وعلويين، أصدق إنباءً من كلّ التطمينات الواهية التي يحاول المعارضون وجنبلاط تسويقها. غير أن تجربة دروز جبل السّماق في ريف إدلب، على ما تقول مصادر أهلية ومن داخل المؤسسة الدينية، «تضع أهالي السويداء أمام خيار واحد: قتال الجماعات التكفيرية والالتصاق بالدولة السورية». وبحسب المصادر، فإن «إرهابيي النصرة بعدما أجبروا الدروز (الذين ساعد جزء منهم مقاتلي المعارضة في الماضي)، على تهديم مقاماتهم وتغيير عاداتهم الدينية وأزيائهم، يجبرون الآن الشباب من سن 13 عاماً وما فوق على الالتحاق بالنصرة لقتال الجيش السوري، تحت وطأة التهديد بقتل عائلات الذين يتخلّفون عن القتال». وتقول المصادر «لا أحد في السويداء مستعدٌ لأن يلقى المصير نفسه».
مصادر عسكرية سورية رفيعة المستوى أكّدت لـ«الأخبار» أن «الجيش يقاتل في السويداء بكلّ ما يملك من قوّة، ولم تترك أي قطعة عسكرية مكانها». وعلى عكس الشائعات، جزمت مصادر عسكرية في المحافظة بأن «الجيش في الأيام الماضية عزّز مواقعه في الغرب، ولا سيّما اللواء 52 ومطار الثعلة، التي تعدّ الجماعات المسلحة للهجوم عليها، وكبّدت المسلحين في أكثر من عملية قصف خسائر كبيرة، بينها قصف رتل قبل ثلاثة أيام لمسلحي المثنى والنصرة». وأشارت المصادر إلى أن «كل من يريد من أبناء السويداء القتال إلى جانب الجيش، يمدّه الجيش بالسلاح». بدوره، أكّد الشيخ يوسف جربوع لـ«الأخبار» أن «خيار السويداء إلى جانب الدولة السورية لأنها ضمانة السوريين، وخيار الأهالي القتال إلى جانب الجيش»، مشيراً إلى أن «الشباب يلتحقون بشكل ممتاز بالتشكيلات العسكرية للدفاع عن المحافظة». من جهتها، أشارت مصادر الحزب القومي إلى أن «أبناء السويداء يملكون إرادة قتال عالية لمواجهة الجماعات التكفيرية»، وأن «مصير السويداء متوقّف على إرادة أبنائها، إمّا بالقتال أو الاستسلام والخضوع للعقيدة الوهابية». ودعت المصادر أبناء المحافظة إلى «عدم الانسياق وراء الشائعات، ومواجهة مشاريع عزل السويداء عن دمشق».

الدور الأردني والتدخل الإسرائيلي

على مدى الأشهر الماضية، سوّق جنبلاط أمام مشايخ الدروز في لبنان وسوريا حصوله على ضمانات من الأردن بحماية السويداء في حال إقدام الجماعات التكفيرية على مهاجمتها، على غرار المساعدة التي طلبها من تركيا لحماية دروز إدلب، ولم تفلح في حمايتهم من «النصرة». وزار جنبلاط والوزير وائل أبو فاعور الأردن مراراً للتحدث مع دوائر القرار الأردنية عن حماية للسويداء، في الوقت الذي تقوم فيه الاستخبارات الأردنية بمدّ المجموعات الإرهابية بالمال والسّلاح من غرفة عمليات عمّان (الموك)، التي تضمّ ضباطاً خليجيين وأردنيين وغربيين وإسرائيليين. إلّا أن مصادر مطّلعة أكّدت لـ«الأخبار» أن «الأردن لم يقدّم أي ضمانات لجنبلاط»، وعلى العكس، أكد النائب في البرلمان الأردني فيصل الأعور لـ«الأخبار» أنه «لا نية للأردن للتدخل في سوريا، وكل ما يقال هو عار من الصحة». أما الاشتراكيون فيبررون خطوات جنبلاط بالقول إن «وليد بك يحاول قطع الطريق على إسرائيل لاستمالة الدروز، لذلك يطلب مساعدة الأردن، لكي لا يقع دروز السويداء في الشرك الإسرائيلي». لكنْ لأهل السويداء خيار آخر، غير إسرائيل والحماية الأردنية التي لن تقيهم شر التكفيريين: القتال تحت راية الدولة السورية.




فوضى السّلاح و«نفط داعش»

في الأشهر الأخيرة، بدأت مفاعيل انتشار السّلاح غير المنظّم في السويداء بالظهور إلى العلن، بعد سلسلة إشكالات فردية اجتاحت المحافظة، تخلّلها استخدام للسلاح وإطلاق للنار وسط الأحياء السكنية. وتتقاطع مصادر حزبية وأخرى في المؤسسة الدينية على القول إن «التحريض على الدولة والنيل من هيبتها هما سبب تفلّت السلاح»، وأن «الإمعان في إسقاط هيبة الدولة قد يأتي ببلاء على السويداء أكبر من ذلك الذي تأتي به التنظيمات التكفيرية».
وبرزت في المحافظة، في الآونة الأخيرة، ظاهرة تهريب النفط الخام الذي يستخرجه «داعش» من المحافظات الشرقية، وقيام عدد كبير من المهرّبين بالتعاون مع بدو موالين لـ «داعش»، باستخدام المحافظة كطريق عبور لبيع النفط في درعا، لا سيّما قرى ناحتة وصَمَّة الهنيدات ومَلَح. كما يقوم المهرّبون بسرقة القمح والمواد الغذائية من أسواق السويداء وتهريبها إلى درعا، رغم حاجة السّكان إليها، ما دفع بعددٍ من عائلات المدينة، إلى جانب المؤسسة الدينية، إلى رفض هذه الممارسات ومطالبة الدولة بمحاسبة المهرّبين. كذلك يقوم المهربون بإيصال شحنات من حبوب «الكبتاغون» المصنعة في مصانع «داعش» في مدينة الرّقة إلى درعا، وتوزيع جزء منها في السويداء.