تكفّل الاعلام العبري بالإعلان عن قلق تل أبيب من التطورات الأخيرة في سوريا، من دون أن يصدر موقف مباشر من المسؤولين الإسرائيليين. القلق ومنسوبه، بل والحديث عن «تغيير قواعد اللعبة» والاضرار بالمصالح الإسرائيلية، لا يتفق بالمطلق مع الكمّ الهائل من التقارير والمواقف الإسرائيلية، التي كادت تعلن طوال العام الماضي، مع بدء التدخل العسكري الروسي المباشر في سوريا، عن «حلف استراتيجي» مع روسيا.نشر منظومة «اس 300 ــ في 4» أريد لها أن تعالج ثغرة دفاعية مرتبطة بإمكان استهداف القوات الروسية أو السورية بصواريخ «كروز» من أنواعها، وهي ثغرة تحددت بموجب تقييم وضع عسكري، بحث في خيارات الولايات المتحدة العملية في حال جازفت وقررت استهداف الدولة السورية.
مع ذلك، الاجراء الدفاعي الروسي أثار قلق تل أبيب، بل وأعلن إعلامها أن نشر المنظومة قد يؤدي الى نتائج خطيرة، في حال قررت روسيا التصدي لإسرائيل فوق السماء السورية («يديعوت أحرونوت»، 04/10/2016). كيف يمكن لروسيا أن تستهدف إسرائيل في سوريا، ويَجمع الجانبين «تنسيق غير مسبوق»؟ سؤال بلا جواب عبري. كيف يمكن وفي أي اطار، وضمن أي هدف، ونتيجة أي سبب، قد تقدم روسيا على استهداف إسرائيل؟ سؤال أيضاً بلا جواب عبري.
موقع «واللا» الإخباري ذكر أمس، نقلاً عن محافل عسكرية إسرائيلية، أنه رغم اتفاق الجانبين على التنسيق العسكري فوق السماء السورية، «لكنهم في المؤسسة الأمنية يعربون عن خشية من الخطوة (الجديدة) وما يتعلق بنقل معلومات عن سلاح الجو الاسرائيلي إلى جهات معادية، ومن بينها الجيش السوري وحزب الله وإيران». وبحسب المصادر نفسها، قلق إسرائيل مبني على حقيقة أن اطمئنان الرئيس السوري (بشار الاسد) لأمنه، ومراكمة الثقة لديه نتيجة للإجراءات الروسية والوجود الروسي، من شأنهما أن يعززا «عدوانيته» تجاه إسرائيل.
مع ذلك، ما ورد على لسان المصادر الاسرائيلية شيء من أشياء. والقلق المعلن عنه لا يتناسب مع أسبابه المعلنة. ما يرد عن «محافل عسكرية» إسرائيلية يلامس المشكلة ــ المعضلة تجاه الوجود العسكري الروسي في سوريا، وتحديداً ما يرتبط بالدور الذي تضطلع به روسيا، بمنعة الدولة السورية وحليفيها.
أدركت تل أبيب أنّ الوجود الروسي بات تهديداً شبه كامل

منذ أن بدأ التدخل الروسي، حافظت إسرائيل على مقاربة علنية واضحة وموجهة: حديث مستفيض عن الفرص ومنع الحديث عن التهديدات. كمّ هائل من التحليلات حول الفرص والمصالح الإسرائيلية والتنسيق والتفاهم والصداقة والزيارات المتبادلة، وكأن الجانبين أعلنا (تحت الطاولة) حلفاً استراتيجياً. في مقابل ذلك، نادراً ما يتعرض المحللون والخبراء الاسرائيليون للتهديدات، رغم الإقرار بوجودها، ويغيب ذلك بشكل مطلق على لسان المسؤولين السياسيين والأمنيين.
كي يستقيم أي تحليل أو استشراف للموقف الإسرائيلي، يجب أن ينطلق من مسلّمة كانت إسرائيل قد أعلنت عنها على لسان كبار مسؤوليها: مصلحتنا تكمن فقط، وفقط، في إسقاط أو احتواء أو إضعاف الرئيس بشار الاسد وحليفيه: إيران وحزب الله. عدا ذلك، بإمكان إسرائيل أن تتعايش مع أي واقع مستجد، كما يشير المسؤولون الاسرائيليون، بل وإن كان الخيار بين «داعش» والأسد، فإسرائيل ستختار بلا تردد تنظيم «داعش». وللتذكير، وإعادة التذكير، تجدر الاشارة إلى الآتي:
أولاً: تدرك تل أبيب أنّ الوجود العسكري الروسي من شأنه أن ينهي رهاناتها على إسقاط الرئيس الأسد وحليفيه، وفي حدّ أدنى منع إضعافه إلى الحدّ المساوي عملياً لإسقاطه. لكنها راهنت، كما الغرب، على إمكان فصل مصلحة روسيا وإمكانات تحقيقها، عن مصالح أعداء إسرائيل: سوريا وإيران وحزب الله. التطورات الميدانية، ومنعة الدولة السورية وحليفيها، وربما أيضاً رعونة الولايات المتحدة، دفعت روسيا أكثر نحو الالتصاق بالدولة السورية، وباتت مصالحها وتحقيقها مرتبطة ارتباطاً عضوياً بمصالح الأعداء.
من هذه الناحية، وتحديداً في مرحلة سقوط خيار التسوية بين الولايات المتحدة وروسيا، وسقوط إمكانات مؤملة ابتداءً بسحب موسكو إلى المعسكر الغربي، أدركت تل أبيب أنّ الوجود العسكري الروسي بات تهديداً شبه كامل، مع تقلص الفرص إلى حد أدنى، ما دام قد بات، حصراً، يخدم دفاعياً موقف الاعداء.
ثانياً: لا شك وغير قابل للجدال، أن لا نيات عدائية روسية ابتدائية تجاه إسرائيل. لكن في موازاة ذلك، التهديد الفعلي والكامن في الوجود العسكري الروسي في سوريا، يقاس إسرائيلياً على القدرات إضافة إلى النيات، خاصة أن روسيا تقاتل جنباً إلى جنب في صف واحد مع أعداء إسرائيل في سوريا، وهي قد أوكلت إلى نفسها (روسيا) مهمة الدفاع، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، عن قوس أعداء تل أبيب.
من هنا، فإن قدرات روسيا العسكرية الموجودة في سوريا، وتلك المنشورة حديثاً، وأيضاً تلك المرشحة للوصول، ستخدم الموقف الدفاعي للدولة السورية وحليفيها، وهنا مكمن التهديد من وجهة النظر الإسرائيلية ومصالحها.
من هنا، تموضع روسيا الدفاعي مع أعداء إسرائيل، يعدّ مكمن التهديد والقلق من ناحية إسرائيل، وليس وسائلها القتالية، لأن تموضعها يزيد من منعة أعدائها. لكن هل في حوزة إسرائيل خيارات ضد روسيا؟ بالتأكيد لا. هل تملك خيارات عملية للإضرار بالدولة السورية وحليفيها؟ ربطاً بالتطورات الأخيرة، باتت الخيارات محدودة، وإذا كانت روسيا قد أوكلت إلى نفسها الدفاع عن الدولة السورية مقابل الأميركيين، فهي لن تكون متواضعة أمام الإسرائيليين.
مع كل ذلك، ورغم «الامتعاض» الإعلامي العبري، من المستبعد أن تنتقل المقاربة الرسمية الاسرائيلية إلى المواجهة المباشرة؛ ما لا يقدر عليه الاميركيون، لن يقدر عليه الإسرائيليون. وتل أبيب، كما هي حال عواصم القرار الإقليمية المتحالفة مع واشنطن، عليها انتظار التطورات ونتيجة الكباش الحالي، بين القوتين العظميين في الساحة السورية.