كشفت وثيقتان سريتان صادرتان عن الخارجية الإسرائيلية، كيف حاول العدو التهرب من فرض معاهدة جنيف على غزة والضفة، اللتين احتلتهما عام 1967. وتظهر الوثيقتان التاريخيتان، وفق فحواهما الذي نشرته صحيفة «هآرتس» أمس، كيف تملصت تل أبيب منهجياً من مناقشة موضوع الأراضي المحتلة مع جهات دولية، وبالخصوص كيف امتنعت عن استخدام مصطلح «احتلال» في التطرق إليها، بهدف التهرب من الرقابة الدولية. كذلك تتضمنان إقراراً من مسؤولين إسرائيليين كبار بخرق «جنيف» وممارسة العنف مع الجمهور الفلسطيني.الوثيقة الأولى برقية تعود إلى آذار 1968، بعث بها كل من ميخائيل كومي (المستشار السياسي آنذاك لوزير الخارجية آبا ايبن)، وثيودور ميرون (المستشار القانوني للوزارة). وأرسلت ممهورة بتصنيف «سري للغاية» إلى السفير الإسرائيلي لدى الولايات المتحدة آنذاك، إسحاق رابين، وتضمنت إرشادات له حول سبل منع الأميركيين من إلزام إسرائيل تطبيق المعاهدة. وجاء في البرقية أن «نهجنا النسقي كان ولا يزال التهرب من مناقشة أوضاع المناطق التي نسيطر عليها مع جهات أجنبية على أساس معاهدة جنيف».
خلُصت تل أبيب إلى أنه
«لا فائدة من المجادلة العلنية» مع الأميركيين

توضح البرقية أن «الاعتراف الواضح من جانبنا بسريان معاهدة جنيف سينشئ مشكلات صعبة من زاوية المعاهدة بشأن تفجير البيوت والطرد والاستيطان وغيرها... وفي الوقت الذي يجب علينا فيه إبقاء كل الخيارات مفتوحة بشأن الحدود، يحظر علينا الاعتراف بأن مكانتنا في المناطق التي نسيطر عليها هي سلطة احتلال فقط». وخلصت البرقية إلى أن «سياستنا بشأن (تلك) المناطق محاولة منع التناقضات الواضحة مع معاهدة جنيف، من دون الدخول في مسألة سريان المعاهدة».
واعترف كومي وميرون، محررا البرقية، بأن مكانة القدس إشكالية خاصة، لأن حكومة العدو عملت فيها بما يتعارض مع المعاهدة. وقال: «المشكلة الصعبة هي طبعاً القدس الشرقية (شرقي القدس)، لأنه في هذه المسألة، لو عملت الحكومة وفق معاهدة جنيف وقوانين لاهاي (المتعلقة بالحرب)، لما كان بإمكانها إجراء تغييرات بعيدة المدى في المجال الإداري والقانوني، كمصادرة الأراضي».
ووجّهت البرقية رابين للقول للأميركيين إنه «توجد أبعاد خاصة لمكانة المناطق (المحتلة) ومكانتنا في المناطق»، وشرح كاتبوها ذلك بأنه «قبل حرب الأيام الستة، لم يكن قطاع غزة منطقة تابعة لمصر، فيما الضفة جرى احتلالها وضمها من الأردن دون اعتراف دولي، وفي ظل هذا الوضع الإقليمي غير المحدد والغامض، فإن مسألة تطبيق المعاهدة ستكون معقدة وغير واضحة، إلى أن نتوصل إلى اتفاق سلام يشمل ترسيم حدود آمنة ومعترف بها». كذلك أوضح كومي وميرون أنه «لا فائدة من المجادلة العلنية معهم (الأميركيين)»، واقترحا على رابين أن يسجّل «رد فعلهم فقط».
وكان كومي قد أوصى في 22 حزيران 1967، أي بعد أقل من أسبوعين على الحرب، نائب المدير العام لوزارة الخارجية، يوسف تكواع، بالامتناع عن استخدام مصطلح «الاحتلال»، كي لا يترتب على ذلك السماح لـ«الصليب الأحمر» بالوصول الحر إلى الفلسطينيين في الضفة. وكتب في رسالة «سرية»، أنه «في ضوء حقيقة محاولة الصليب الأحمر المطالبة بحقوق تتعلق بالجمهور المدني بناءً على جنيف، ينبغي الحذر من استخدام مصطلحات معينة منصوص عليها في المعاهدة». واقترح استبدال مصطلح «المناطق المحتلة» بـ«المناطق الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية» أو «مناطق الحكم العسكري».
وقد كشف عن الوثيقتين بناءً على طلب معهد أبحاث «عكفوت»، الذي رأى مديره، ليؤور يفنيه، أن «ما يميز البرقية الموجهة إلى رابين الصراحة النادرة التي يفصل فيها كتبتها أسباب امتناع الحكومة عن الإقرار بسريان معاهدة جنيف في المناطق، لجهة أن جزءاً من سياستها في المناطق تتناقض ببساطة مع بنود المعاهدة، أو كون ذلك خطوة تكتيكية تمهيداً لاتفاق سياسي في المستقبل».